تنبيه .
لكون الجناس من المحاسن اللفظية لا المعنوية ترك عند قوة المعنى كقوله تعالى : [ ص: 172 ] وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين [ يوسف : 17 ] ، قيل : ما الحكمة في كونه لم يقل : ( وما أنت بمصدق ) ، فإنه يؤدي معناه مع رعاية التجنيس . وأجيب : بأن في : بمؤمن لنا من المعنى ليس في ( مصدق ) ؛ لأن معنى قولك : ( فلان مصدق لي ) قال لي : صدقت ، وأما ( مؤمن ) فمعناه مع رعاية التصديق إعطاء الأمن ، ومقصودهم التصديق وزيادة ؛ وهو طلب الأمن ، فلذلك عبر به .
وقد زل بعض الأدباء فقال في قوله : أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين [ الصافات : 125 ] ، لو قال : ( وتدعون ) لكان فيه مراعاة التجنيس .
وأجاب الإمام فخر الدين : بأن فصاحة القرآن ليست لرعاية هذه التكلفات ، بل لأجل قوة المعاني وجزالة الألفاظ . وأجاب غيره بأن مراعاة المعاني أولى من مراعاة الألفاظ ، ولو قال : ( أتدعون ) ، ( وتدعون ) لوقع الالتباس على القارئ فيجعلهما بمعنى واحد تصحيفا . وهذا الجواب غير ناضج .
وأجاب ابن الزملكاني بأن التجنيس تحسين ، وإنما يستعمل في مقام الوعد والإحسان لا في مقام التهويل .
وأجاب الخويي بأن ( تدع ) أخص من ( تذر ) ؛ لأنه بمعنى ترك الشيء مع اعتنائه بشهادة الاشتقاق ، نحو الإيداع ، فإنه عبارة عن ترك الوديعة مع الاعتناء بحالها ، ولهذا يختار لها من هو مؤتمن عليها ، ومن ذلك الدعة بمعنى الراحة ، وأما ( تذر ) فمعناه الترك مطلقا أو الترك مع الإعراض والرفض الكلي .
قال الراغب : يقال : فلان يذر الشيء ؛ أي : يقذفه لقلة الاعتداد به ، ومنه الوذرة - قطعة من اللحم - لقلة الاعتداد به ، ولا شك أن السياق إنما يناسب هذا دون الأول ، فأريد هنا تبشيع حالهم في الإعراض عن ربهم ، وأنهم بلغوا الغاية في الإعراض . انتهى .