[ ص: 207 ] النوع الثامن عشر .  
في جمعه وترتيبه      .  
قال  الدير عاقولي  في فوائده : حدثنا   إبراهيم بن بشار ،  حدثنا   سفيان بن عيينة ،  عن   الزهري ،  عن  عبيد ،  عن   زيد بن ثابت  ، قال :  قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن القرآن جمع في شيء     .  
قال  الخطابي     : إنما لم يجمع - صلى الله عليه وسلم - القرآن في المصحف ; لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته ، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك ، وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة ، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة  عمر     .  
وأما ما أخرجه  مسلم  من حديث  أبي سعيد  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن     . . . الحديث ، فلا ينافي ذلك; لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة ، وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور .  
قال  الحاكم  في المستدرك : جمع القرآن ثلاث مرات :  
إحداها : بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - . ثم أخرج بسند على شرط الشيخين ،  عن   زيد بن ثابت  قال كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نؤلف القرآن من الرقاع     . . . . الحديث .  
 [ ص: 208 ] قال  البيهقي     : يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المفرقة في سورها ، وجمعها فيها بإشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - .  
الثانية : بحضرة  أبي بكر  ، روى   البخاري  في صحيحه ،  عن   زيد بن ثابت  ، قال : أرسل إلي  أبو بكر  ، مقتل  أهل اليمامة   ، فإذا   عمر بن الخطاب  عنده ، فقال  أبو بكر     : إن  عمر  أتاني ، فقال : إن القتل قد استحر بقراء القرآن ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن ، فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، فقلت  لعمر     : كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ! قال  عمر     : هو والله خير ، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك الذي رأى  عمر     . قال  زيد     : قال  أبو بكر     : إنك شاب عاقل ، لا نتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتتبع القرآن فاجمعه .  
فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن .  
قلت : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ! قال : هو والله خير ، فلم يزل  أبو بكر  يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح به صدر  أبي بكر  وعمر     . فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ، ووجدت آخر سورة التوبة مع  أبي خزيمة الأنصاري  لم أجدها مع غيره :  لقد جاءكم رسول      [ التوبة : 128 - 129 ] حتى خاتمة براءة ، فكانت الصحف عند  أبي بكر  حتى توفاه الله ، ثم عند  عمر  حياته ، ثم عند   حفصة بنت عمر     .  
وأخرج  ابن أبي داود  في المصاحف بسند حسن ، عن  عبد خير  قال :  سمعت  عليا  يقول : أعظم الناس في المصاحف أجرا  أبو بكر  ، رحمة الله على  أبي بكر  هو أول من جمع كتاب الله     .  
 [ ص: 209 ] لكن أخرج - أيضا - من طريق   ابن سيرين  ، قال :  قال  علي     : لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آليت ألا آخذ علي ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن . فجمعه     .  
قال  ابن حجر     : هذا الأثر ضعيف لانقطاعه ، وبتقدير صحته ، فمراده بجمعه حفظه في صدره ، وما تقدم من رواية عبد خير عنه أصح ، فهو المعتمد .  
قلت : قد ورد من طريق آخر أخرجه  ابن الضريس  في فضائله : حدثنا   بشر بن موسى ،  حدثنا   هوذة بن خليفة ،  حدثنا  عوف ،  عن   محمد ابن سيرين ،  عن  عكرمة  ، قال :  لما كان بعد بيعة  أبي بكر  قعد   علي بن أبي طالب  في بيته ، فقيل  لأبي بكر     : قد كره بيعتك ، فأرسل إليه ، فقال : أكرهت بيعتي ؟ قال : لا والله ، قال : ما أقعدك عني ؟ قال : رأيت كتاب الله يزاد فيه ، فحدثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه . قال له  أبو بكر     : فإنك نعم ما رأيت .  
قال  محمد     : فقلت  لعكرمة     : ألفوه كما أنزل الأول فالأول ؟ قال : لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف ما استطاعوا .  
وأخرجه  ابن أشتة  في المصاحف من وجه آخر ، عن   ابن سيرين  وفيه : أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ ، وأن   ابن سيرين  قال : تطلبت ذلك الكتاب ، وكتبت فيه إلى  المدينة   ، فلم أقدر عليه .  
وأخرج  ابن أبي داود  من طريق  الحسن     :  أن  عمر  سأل ، عن آية من كتاب الله فقيل : كانت مع فلان ، قتل يوم  اليمامة      . فقال : إنا لله . وأمر بجمع القرآن ، فكان أول من جمعه في المصحف     . إسناده منقطع .  
والمراد بقوله : فكان أول من جمعه أي : أشار بجمعه .  
قلت : ومن غريب ما ورد في أول من جمعه ، ما أخرجه  ابن أشتة  في كتاب " المصاحف " من طريق كهمس ، عن  ابن بريدة  ، قال : أول من جمع القرآن في مصحف   سالم مولى أبي حذيفة  أقسم لا يرتدي برداء حتى جمعه ، فجمعه ، ثم ائتمروا : ما يسمونه ؟ فقال بعضهم : سموه السفر ، قال : ذلك تسمية  اليهود   ، فكرهوه ، فقال : رأيت مثله  بالحبشة   يسمى المصحف ، فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف . إسناده منقطع أيضا ، وهو محمول على أنه كان أحد الجامعين بأمر  أبي بكر     .  
وأخرج  ابن أبي داود  من طريق  يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب  قال :  قدم  عمر ،   [ ص: 210 ] فقال : من كان تلقى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا من القرآن فليأت به .  
وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان .  
وهذا يدل على أن  زيدا  كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا ، مع كون  زيد  كان يحفظ ، فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط .  
وأخرج  ابن أبي داود  أيضا من طريق   هشام بن عروة ،  عن أبيه  أن  أبا بكر  قال  لعمر  ولزيد     : اقعدا على باب المسجد ، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه .  رجاله ثقات مع انقطاعه .  
قال  ابن حجر     : وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب .  
وقال  السخاوي  في " جمال القراء " : المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب على يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن .  
قال  أبو شامة     : وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من مجرد الحفظ .  
قال : ولذلك قال في آخر سورة التوبة : لم أجدها مع غيره ، أي : لم أجدها مكتوبة مع غيره لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة .  
قلت : أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - عام وفاته ، كما يؤخذ مما تقدم آخر النوع السادس عشر .  
وقد أخرج  ابن أشتة  في المصاحف ، عن   الليث بن سعد  ، قال : أول من جمع القرآن  أبو بكر  ، وكتبه  زيد  ، وكان الناس يأتون   زيد بن ثابت  ، فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل ، وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع  أبي خزيمة بن ثابت  ، فقال : اكتبوها فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل شهادته بشهادة رجلين ، فكتب . وإن  عمر  أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده .  
وقال   الحارث المحاسبي  في كتاب فهم السنن : كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه - صلى الله عليه وسلم -      [ ص: 211 ] كان يأمر بكتابته ، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب ، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا ، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها قرآن منتشر ، فجمعها جامع ، وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء .  
قال : فإن قيل :  كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال   ؟ .  
قيل : لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز ، ونظم معروف قد شاهدوا تلاوته من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرين سنة ، فكان تزوير ما ليس منه مأمونا ، وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه .  
وقد تقدم في حديث  زيد  أنه جمع القرآن من العسب واللخاف ، وفي رواية : والرقاع ، وفي أخرى : وقطع الأديم ، وفي أخرى : والأكتاف ، وفي أخرى : والأضلاع ، وفي أخرى : والأقتاب .  
فالعسب : جمع عسيب وهو جريد النخل ، كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض .  
واللخاف : بكسر اللام وبخاء معجمة خفيفة ، آخره فاء : جمع لخفة بفتح اللام وسكون الخاء وهي الحجارة الدقاق ، وقال  الخطابي     : صفائح الحجارة .  
والرقاع : جمع رقعة ، وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد .  
والأكتاف : جمع كتف ، وهو العظم الذي للبعير أو الشاة ، كانوا إذا جف كتبوا عليه .  
والأقتاب : جمع قتب ، وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه .  
وفي موطأ  ابن وهب ،  عن  مالك ،  عن   ابن شهاب ،  عن   سالم بن عبد الله بن عمر  ، قال :  جمع  أبو بكر  القرآن في قراطيس ، وكان سأل   زيد بن ثابت  في ذلك فأبى ، حتى استعان عليه  بعمر  ، ففعل .  
وفي مغازي   موسى بن عقبة     : عن   ابن شهاب  قال :  لما أصيب المسلمون باليمامة ، فزع  أبو بكر  وخاف أن يذهب من القرآن طائفة ، فأقبل الناس بما كانوا معهم وعندهم ، حتى جمع على عهد  أبي بكر  في الورق ، فكان  أبو بكر  أول من جمع القرآن في الصحف .  
قال  ابن حجر     : ووقع في رواية   عمارة بن غزية     : أن   زيد بن ثابت  قال : فأمرني  أبو بكر  فكتبته في قطع الأديم والعسب ، فلما ( هلك )  أبو بكر  وكان  عمر  كتبت ذلك في صحيفة واحدة ، فكانت عنده .  
 [ ص: 212 ] قال : والأول أصح ; إنما كان في الأديم والعسب أولا قبل أن يجمع في عهد  أبي بكر ،  ثم جمع في الصحف في عهد  أبي بكر  ، كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المترادفة .  
قال  الحاكم     : والجمع الثالث هو ترتيب السور في زمن  عثمان     .  
روى   البخاري  عن  أنس  أن   حذيفة بن اليمان  قدم على  عثمان  ، وكان يغازي  أهل الشام   في فتح  أرمينية   وأذربيجان   مع  أهل  العراق    ، فأفزع  حذيفة  اختلافهم في القراءة ، فقال  لعثمان     : أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف  اليهود   والنصارى      . فأرسل إلى  حفصة     : أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ، ثم نردها إليك . فأرسلت بها حفصة إلى  عثمان  فأمر   زيد بن ثابت   وعبد الله بن الزبير   وسعيد بن العاص   وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام  فنسخوها في المصاحف .  
وقال  عثمان  للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم   وزيد بن ثابت  في شيء من القرآن ، فاكتبوه بلسان  قريش   فإنه إنما نزل بلسانهم ، ففعلوا ، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ، رد  عثمان  الصحف إلى  حفصة  ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق . قال  زيد  ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع   خزيمة بن ثابت الأنصاري     :  من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه   فألحقناها في سورتها في المصحف     .  
قال  ابن حجر     : وكان ذلك في سنة خمس وعشرين . قال : وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين ، ولم يذكر له مستندا . انتهى .  
وأخرج  ابن أشتة  من طريق  أيوب ،  عن  أبي قلابة  ، قال : حدثني رجل من  بني عامر   ، يقال له :   أنس بن مالك  قال :  اختلفوا في القرآن على عهد  عثمان  حتى اقتتل الغلمان والمعلمون ، فبلغ ذلك   عثمان بن عفان  ، فقال : عندي تكذبون به وتلحنون فيه ! فمن نأى عني كان أشد تكذيبا ، وأكثر لحنا . يا أصحاب  محمد   اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما . فاجتمعوا فكتبوا فكانوا إذا اختلفوا وتدارءوا في أي آية قالوا : هذه أقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلانا فيرسل إليه وهو على رأس ثلاث من  المدينة      .  
فيقال له : كيف أقرأك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آية كذا وكذا ؟ .  
 [ ص: 213 ] فيقول : كذا وكذا ، فيكتبونها ، وقد تركوا لذلك مكانا     .  
وأخرج  ابن أبي داود  من طريق   محمد ابن سيرين ،  عن  كثير بن أفلح  ، قال :  لما أراد  عثمان  أن يكتب المصاحف ، جمع له اثني عشر رجلا من  قريش   والأنصار   ، فبعثوا إلى الربعة التي في بيت  عمر  ، فجيء بها ، وكان  عثمان  يتعاهدهم ، فكانوا إذا تدارءوا في شيء أخروه .  
قال  محمد     : فظننت أنما كانوا يؤخرونه لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة ، فيكتبونه على قوله     .  
وأخرج  ابن أبي داود  بسند صحيح ، عن   سويد بن غفلة  ، قال :  قال  علي     : لا تقولوا في  عثمان  إلا خيرا ، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا ، قال : ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد يكون كفرا ؟ قلنا : فما ترى ؟ .  
قال : أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد ، فلا تكون فرقة ولا اختلاف .  
قلنا : نعم ما رأيت .  
قال  ابن التين  وغيره :  الفرق بين جمع  أبي بكر  وجمع  عثمان      : أن جمع  أبي بكر  كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته ; لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد ، فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - .  
وجمع  عثمان     : كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة ، حتى قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات ، فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض ، فخشي من تفاقم الأمر في ذلك ، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره ، واقتصر من سائر اللغات على لغة  قريش   محتجا بأنه نزل بلغتهم ، وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم ، رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر ، فرأى أن الحاجة إلى ذلك ، قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة .  
وقال  القاضي أبو بكر  في الانتصار : لم يقصد  عثمان  قصد  أبي بكر  في جمع نفس القرآن بين لوحين ، وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلغاء ما ليس كذلك ، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ، ولا تأويل أثبت مع تنزيل ، ولا منسوخ      [ ص: 214 ] تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه ، خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد .  
وقال   الحارث المحاسبي     : المشهور عند الناس أن جامع القرآن  عثمان  ، وليس كذلك ، إنما حمل  عثمان  الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من  المهاجرين   والأنصار   ، لما خشي الفتنة عند اختلاف  أهل  العراق    والشام   في حروف القراءات ، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن ، فأما السابق إلى الجمع من الحملة فهو   الصديق  ، وقد قال  علي     : لو وليت لعملت بالمصاحف التي عمل  عثمان  بها . انتهى .  
فائدة : اختلف في  عدة المصاحف التي أرسل بها  عثمان  إلى الآفاق      : فالمشهور أنها خمسة .  
وأخرج  ابن أبي داود  ، من طريق   حمزة الزيات  ، قال : أرسل  عثمان  أربعة مصاحف . قال  ابن أبي داود     : وسمعت   أبا حاتم السجستاني  يقول : كتب سبعة مصاحف ، فأرسل إلى  مكة   ،  والشام   ، وإلى  اليمن   ، وإلى  البحرين   ، وإلى  البصرة   ، وإلى  الكوفة ،   وحبس  بالمدينة   واحدا .  
				
						
						
