[ ص: 62 ] فصل في : تحرير السور المختلف فيها
سورة الفاتحة : الأكثرون على أنها مكية ، بل ورد أنها أول ما نزل كما سيأتي في النوع الثامن ، واستدل لذلك بقوله تعالى : ولقد آتيناك سبعا من المثاني [ الحجر : 87 ] . وقد فسرها - صلى الله عليه وسلم - بالفاتحة كما في الصحيح . وسورة الحجر مكية باتفاق ، وقد امتن على رسوله فيها بها ، فدل على تقدم نزول الفاتحة عليها ، إذ يبعد أن يمتن عليه بما لم ينزل بعد ، وبأنه لا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة ، ولم يحفظ أنه كان في الإسلام صلاة بغير الفاتحة ، ذكره ابن عطية وغيره .
وقد روى الواحدي من طريق عن العلاء بن المسيب ، الفضل بن عمرو ، عن ، قال : نزلت فاتحة الكتاب علي بن أبي طالب بمكة من كنز تحت العرش .
واشتهر عن مجاهد القول بأنها مدنية . أخرجه في تفسيره ، الفريابي وأبو عبيد في " الفضائل " بسند صحيح عنه .
قال : هذه هفوة من الحسين بن الفضل مجاهد ;لأن العلماء على خلاف قوله . وقد نقل ابن عطية القول بذلك عن الزهري وعطاء وسوادة بن زياد ، وعبد الله بن عبيد بن عمير .
وورد ، عن . بإسناد جيد . قال أبي هريرة في الأوسط : حدثنا الطبراني نبأنا عبيد بن غنام ، نبأنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أبو الأحوص ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن : أن إبليس [ ص: 63 ] رن حين أنزلت فاتحة الكتاب ، وأنزلت أبي هريرة بالمدينة . ويحتمل أن الجملة الأخيرة مدرجة من قول مجاهد .
وذهب بعضهم إلى أنها نزلت مرتين : مرة بمكة ومرة بالمدينة مبالغة في تشريفها .
وفيها قول رابع : أنها نزلت نصفين : نصفها بمكة ونصفها بالمدينة ، حكاه أبو ليث السمرقندي .
سورة النساء : زعم النحاس أنها مكية ، مستندا إلى أن قوله : إن الله يأمركم [ 58 ] نزلت بمكة اتفاقا في شأن مفتاح الكعبة ، وذلك مستند واه ; لأنه لا يلزم من نزول آية أو آيات من سورة طويلة نزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية ، خصوصا أن الأرجح أن ما نزل بعد الهجرة مدني ، ومن راجع أسباب نزول آياتها عرف الرد عليه . ومما يرد عليه أيضا ما أخرجه ، عن البخاري عائشة قالت : ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده . ودخولها عليه كان بعد الهجرة اتفاقا . وقيل : نزلت عند الهجرة .
: المشهور أنها مكية ، وعن سورة يونس هل هي مكية أو مدنية روايتان ، فتقدم في الآثار السابقة عنها أنها مكية . وأخرجه ابن عباس ابن مردويه من طريق عنه ، ومن طريق العوفي عن ابن جريج ، عطاء عنه ، ومن طريق عن خصيف ، مجاهد ، عن ابن الزبير .
وأخرج من طريق عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن : أنها مدنية ، ويؤيد المشهور ما أخرجه ابن عباس من طريق ابن أبي حاتم الضحاك ، عن قال : لما بعث الله [ ص: 64 ] ابن عباس محمدا رسولا أنكرت العرب ذلك . أو من أنكر ذلك منهم . فقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، فأنزل الله تعالى : أكان للناس عجبا [ يونس : 2 ] .
سورة الرعد : تقدم من طريق مجاهد ، عن ، وعن ابن عباس علي بن أبي طلحة : أنها مكية ، وفي بقية الآثار أنها مدنية .
وأخرج ابن مردويه الثاني من طريق عن العوفي ، ومن طريق ابن عباس ، عن ابن جريج ، عثمان بن عطاء ، عن ومن طريق ابن عباس مجاهد ، عن ابن الزبير . وأخرج أبو الشيخ مثله ، عن قتادة . وأخرج الأول عن . سعيد بن جبير
وقال في سننه : حدثنا سعيد بن منصور أبو عوانة ، عن أبي بشر ، قال : سألت عن قوله - تعالى - : سعيد بن جبير ، ومن عنده علم الكتاب [ الرعد : 43 ] أهو ؟ فقال : كيف وهذه السورة مكية ! . عبد الله بن سلام
ويؤيد القول بأنها مدنية : ما أخرجه وغيره عن الطبراني أنس أن قوله - تعالى - : الله يعلم ما تحمل كل أنثى إلى قوله : وهو شديد المحال [ الرعد : 8 - 13 ] نزل في قصة أربد بن قيس وعامر بن الطفيل حين قدما المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
والذي يجمع به بين الاختلاف : أنها مكية إلا آيات منها .
: تقدم من طريق سورة الحج هل هي مكية أو مدنية مجاهد ، عن : أنها مكية إلا آيات التي استثناها ، وفي الآثار الباقية : أنها مدنية . ابن عباس
وأخرج ابن مردويه من طريق عن العوفي ، . ومن طريق ابن عباس ابن جريج وعثمان ، عن عطاء عن ومن طريق ابن عباس ، مجاهد ، عن ابن الزبير : أنها مدنية .
قال ابن الفرس في " أحكام القرآن " : وقيل : إنها مكية إلا : هذان خصمان الآيات . وقيل : إلا عشر آيات . وقيل : مدنية إلا أربع آيات : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلى [ ص: 65 ] عقيم [ 52 - 55 ] . قاله قتادة وغيره . وقيل : كلها مدنية ، قاله الضحاك وغيره ، وقيل : هي مختلطة ، فيها مدني ومكي ، وهو قول الجمهور . انتهى .
ويؤيد ما نسبه إلى الجمهور : أنه ورد في آيات كثيرة منها أنه نزل بالمدينة ، كما حررناه في أسباب النزول .
: قال سورة الفرقان هل هي مكية أو مدنية ابن الفرس : الجمهور على أنها مكية ، وقال الضحاك : مدنية .
: حكى سورة يس هل هي مكية أو مدنية أبو سليمان الدمشقي قولا : أنها مدنية ، قال : وليس بالمشهور .
: حكى سورة ص هل هي مكية أو مدنية ؟ الجعبري قولا : أنها مدنية خلاف حكاية جماعة الإجماع على أنها مكية .
؟ : حكى سورة محمد هل هي مكية أو مدنية النسفي قولا غريبا : أنها مكية .
: حكي قول شاذ أنها مكية . سورة الحجرات هل هي مكية أو مدنية
الجمهور على أنها مكية ، وهو الصواب ويدل له ما رواه سورة الرحمن : هل هي مكية أو مدنية الترمذي والحاكم ، عن جابر ، قال : فبأي آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا : ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب ، فلك الحمد . قال لما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه سورة الرحمن حتى فرغ ، قال : ما لي أراكم سكوتا ؟ للجن كانوا أحسن منكم ردا ، ما قرأت عليهم من مرة الحاكم : صحيح على شرط الشيخين . وقصة الجن كانت بمكة .
وأصرح منه في الدلالة ما أخرجه أحمد في مسنده بسند جيد : عن أسماء بنت أبي [ ص: 66 ] بكر ، قالت : فبأي آلاء ربكما تكذبان ، وفي هذا دليل على تقدم نزولها على سورة الحجر . سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر ، والمشركون يسمعون :
: قال سورة الحديد هل هي مكية أو مدنية ابن الفرس : الجمهور على أنها مدنية ، وقال قوم : إنها مكية ، ولا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا ، لكن يشبه صدرها أن يكون مكيا .
قلت : الأمر كما قال ، ففي مسند البزار وغيره ، عن عمر : أنه دخل على أخته قبل أن يسلم ، فإذا صحيفة فيها أول سورة الحديد ، فقرأها وكان سبب إسلامه .
وأخرج الحاكم وغيره ، عن ، قال : لم يكن شيء بين إسلامه وبين أن نزلت هذه الآية يعاتبهم الله بها إلا أربع سنين : ابن مسعود ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد [ الحديد : 16 ] .
: المختار أنها مدنية ، ونسبه سورة الصف هل هي مكية أو مدنية ابن الفرس إلى الجمهور ورجحه ، ويدل له ما أخرجه الحاكم وغيره قال : قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتذاكرنا ، فقلنا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه ، فأنزل الله سبحانه : عبد الله بن سلام سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون [ ص: 67 ] [ الصف : 1 ، 2 ] حتى ختمها ، قال عبد الله : فقرأها علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ختمها . عن
: الصحيح أنها مدنية ، لما روى سورة الجمعة هل هي مكية أو مدنية البخاري ، قال : كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل عليه في سورة الجمعة : أبي هريرة وآخرين منهم لما يلحقوا بهم [ الجمعة : 3 ] . قلت : من هم يا رسول الله . . . . الحديث . ومعلوم أن إسلام عن بعد الهجرة بمدة . وقوله : أبي هريرة قل ياأيها الذين هادوا [ 6 ] خطاب لليهود ، وكانوا بالمدينة . وآخر السورة نزل في انقضاضهم حال الخطبة لما قدمت العير ، كما في الأحاديث الصحيحة ، فثبت أنها مدنية كلها .
: قيل : مدنية وقيل : مكية إلا آخرها . سورة التغابن
: فيها قول غريب : إنها مدنية . سورة الملك
: قيل مدنية ، وقيل : مكية إلا آية واحدة : سورة الإنسان ولا تطع منهم آثما أو كفورا [ الإنسان : 24 ] .
: قال سورة المطففين ابن الفرس : قيل : إنها مكية ; لذكر الأساطير فيها . وقيل : مدنية ، لأن أهل المدينة كانوا أشد الناس فسادا في الكيل .
وقيل : نزلت بمكة إلا قصة التطفيف . وقال قوم : نزلت بين مكة والمدينة . انتهى .
قلت : أخرج وغيره - بسند صحيح - النسائي قال : لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عباس المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا ، فأنزل الله : ويل للمطففين فأحسنوا الكيل . عن
[ ص: 68 ] : الجمهور على أنها مكية ، قال ابن الفرس : وقيل : إنها مدنية لذكر صلاة العيد وزكاة الفطر فيها . سورة الأعلى
قلت : ويرده ما أخرجه البخاري ، عن قال : أول من قدم علينا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - البراء بن عازب مصعب بن عمير فجعلا يقرئاننا القرآن ، ثم جاء وابن أم مكتوم عمار وبلال وسعد ، ثم جاء في عشرين ، ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فما رأيت أهل عمر بن الخطاب المدينة فرحوا بشيء فرحهم به ، فما جاء حتى قرأت : سبح اسم ربك الأعلى في سورة مثلها .
سورة الفجر : فيها قولان ، حكاهما ابن الفرس . قال أبو حيان : والجمهور على أنها مكية .
سورة البلد : حكى ابن الفرس فيها أيضا قولين ، وقوله : بهذا البلد يرد القول بأنها مدنية .
: الأشهر أنها مكية ، وقيل : مدنية ، لما ورد في سبب نزولها من قصة النخلة كما أخرجناه في سبب النزول . وقيل : فيها مكي ومدني . سورة الليل
: فيها قولان ، والأكثر أنها مكية . ويستدل لكونها مدنية بما أخرجه سورة القدر الترمذي والحاكم ، الحسن بن علي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى بني أمية على منبره ، فساءه ذلك ، فنزلت : إنا أعطيناك الكوثر ، ونزلت إنا أنزلناه في ليلة القدر الحديث . قال عن المزي : وهو حديث منكر .
[ ص: 69 ] : قال سورة لم يكن ابن الفرس : الأشهر أنها مكية .
قلت : ويدل لمقابله ما أخرجه أحمد ، أبي حبة البدري ، قال : لما نزلت لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب إلى آخرها ، قال جبريل : يا رسول الله ، إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيا . . . الحديث . وقد جزم عن ابن كثير أنها مدنية ، واستدل به .
سورة الزلزلة : فيها قولان ، ويستدل لكونها مدنية : بما أخرجه ابن أبي حاتم ، عن قال : لما نزلت : أبي سعيد الخدري فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الآية ، قلت : يا رسول الله ، إني لراء عملي ؟ . . الحديث . وأبو سعيد لم يكن إلا بالمدينة ، ولم يبلغ إلا بعد أحد .
: فيها قولان ، ويستدل لكونها مدنية : بما أخرجه سورة العاديات الحاكم وغيره ، عن : قال : ابن عباس بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلا ، فلبثت شهرا لا يأتيه منها خبر فنزلت والعاديات . . الحديث .
: الأشهر أنها مكية . سورة ألهاكم
ويدل لكونها مدنية - وهو المختار - ما أخرجه عن ابن أبي حاتم ، ابن بريدة أنها نزلت [ ص: 70 ] في قبيلتين من قبائل الأنصار تفاخروا . . الحديث .
وأخرج عن قتادة : أنها نزلت في اليهود .
وأخرج عن البخاري ، قال : كنا نرى هذا من القرآن - يعني " لو كان لابن آدم واد من ذهب " - حتى نزلت : أبي بن كعب ألهاكم التكاثر .
وأخرج الترمذي عن علي ، قال : ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت .
وعذاب القبر لم يذكر إلا بالمدينة ، كما في الصحيح في قصة اليهودية .
: فيها قولان ، حكاهما سورة أرأيت ابن الفرس .
: الصواب أنها مدنية ، ورجحه سورة الكوثر النووي في شرح مسلم ، لما أخرجه مسلم ، أنس قال : بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة فرفع رأسه مبتسما ، فقال : " أنزلت علي آنفا سورة " فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها . . . الحديث . عن
: فيها قولان ، لحديثين في سبب نزولهما متعارضين . وجمع بعضهم بينهما بتكرر نزولها ، ثم ظهر لي بعد ترجيح : أنها مدنية ، كما بينته في أسباب النزول [ ص: 71 ] . سورة الإخلاص
المعوذتان : المختار أنهما مدنيتان ; لأنهما نزلتا في قصة سحر لبيد بن الأعصم ، كما أخرجه البيهقي في الدلائل .
فصل .
قال البيهقي في الدلائل : في بعض السور التي نزلت بمكة آيات نزلت بالمدينة فألحقت بها . وكذا قال ابن الحصار : كل نوع من المكي والمدني منه آيات مستثناة . قال : إلا أن من الناس من اعتمد في الاستثناء على الاجتهاد دون النقل .