[ ص: 315 ] النوع الثاني والثلاثون .
في . المد والقصر
أفرده جماعة من القراء بالتصنيف .
والأصل في المد : ما أخرجه في سننه : حدثنا سعيد بن منصور ، حدثني شهاب بن خراش مسعود بن يزيد الكندي ، قال : يقرئ رجلا ، فقرأ الرجل ابن مسعود إنما الصدقات للفقراء والمساكين [ التوبة : 60 ] مرسلة .
فقال ابن مسعود : ما هكذا أقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فقال : كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن ؟ .
فقال أقرأنيها إنما الصدقات للفقراء والمساكين فمد . وهذا حديث جليل حجة ، ونص في الباب ، رجال إسناده ثقات ، أخرجه كان في الكبير . الطبراني
المد : عبارة عن زيادة مط في حرف المد على المد الطبيعي ; وهو الذي لا تقوم ذات حرف المد دونه .
والقصر : ترك تلك الزيادة ، وإبقاء المد الطبيعي على حاله .
وحرف المد ( الألف ) مطلقا و ( الواو ) الساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها .
. وسببه : لفظي ومعنوي
فاللفظي : إما همز أو سكون :
فالهمز : يكون بعد حرف المد وقبله .
والثاني نحو : آدم ورأى وإيمان وخاطئين وأوتوا والموءودة .
والأول إن كان معه في كلمة واحدة فهو المتصل نحو : أولئك شاء الله و السوء [ الروم : 10 ] و من سوء [ آل عمران : 30 ] و يضيء [ النور : 35 ] .
[ ص: 316 ] وإن كان حرف المد آخر كلمة والهمز أول أخرى فهو : المنفصل نحو : ( بما أنزل ) ( ياأيها ) ( قالوا آمنا ) ( وأمره إلى الله ) ( في أنفسكم ) ، ( به إلا الفاسقين ) .
ووجه المد لأجل الهمز : أن حرف المد خفي ، والهمز صعب ، فزيد في الخفي ليتمكن من النطق بالصعب .
والسكون : إما لازم : وهو الذي لا يتغير في حاليه : نحو : الضالين و دابة [ البقرة : 164 ] و الم و أتحاجوني [ الأنعام : 80 ] .
أو عارض : وهو الذي يعرض للوقف ونحوه : نحو : العباد [ يس : 30 ] و الحساب [ البقرة : 202 ] و نستعين و الرحيم و يوقنون [ البقرة : 4 ] حالة الوقف و فيه هدى [ البقرة : 2 ] وقال لهم [ البقرة : 247 ] و يقول ربنا [ البقرة : 200 ] حالة الإدغام .
ووجه المد للسكون التمكن من الجمع بين الساكنين ، فكأنه قام مقام حركة .
وقد أجمع القراء على مد نوعي المتصل ، وذي الساكن اللازم ، وإن اختلفوا في مقداره .
واختلفوا في مد النوعين الآخرين : وهما المنفصل ، وذو الساكن العارض ، وفي قصرهما .
فأما : فاتفق الجمهور على مده قدرا واحدا مشبعا من غير إفحاش . وذهب آخرون إلى تفاضله كتفاضل المنفصل ، فالطولي المتصل لحمزة ، ودونها وورش لعاصم ، ودونها لابن عامر والكسائي وخلف ، ودونها لأبي عمرو والباقين .
وذهب بعضهم إلى أنه مرتبتان فقط : الطولي لمن ذكر ، والوسطي لمن بقي .
وأما ذو الساكن : ويقال له : مد العدل لأنه يعدل حركة ، فالجمهور - أيضا - على مده مشبعا قدرا واحدا من غير إفراط . وذهب بعضهم إلى تفاوته .
وأما المنفصل : ويقال له : ; لأنه يفصل بين الكلمتين ومد البسط ، لأنه يبسط بين الكلمتين ، ومد الاعتبار لاعتبار الكلمتين من كلمة ، ومد حرف بحرف ، أي : مد كلمة بكلمة ، والمد الجائز ، من أجل الخلاف في مده وقصره . فقد اختلفت العبارات في مقدار مده اختلافا لا يمكن ضبطه . مد الفصل
والحاصل أن له سبع مراتب :
الأولى : القصر ، وهو حذف المد العرضي وإبقاء ذات حرف المد على ما فيها من غير زيادة وهي في المنفصل خاصة لأبي جعفر وابن كثير ، ولأبي عمرو عند الجمهور .
[ ص: 317 ] الثانية : فويق القصر قليلا ، وقدرت بألفين وبعضهم بألف ونصف . وهي لأبي عمرو ، في المتصل والمنفصل عند صاحب التيسير .
الثالثة : فويقها قليلا ، وهي التوسط عند الجميع ، وقدرت بثلاث ألفات وقيل : بألفين ونصف وقيل : بألفين ، على أن ما قبلها بألف ونصف وهي لابن عامر والكسائي في الضربين ، عند صاحب " التيسير " .
الرابعة : فويقها قليلا ، وقدرت بأربع ألفات ، وقيل : بثلاث ونصف ، وقيل : بثلاث ، على الخلاف فيما قبلها ، وهي لعاصم في الضربين عند صاحب " التيسير " .
الخامسة : فويقها قليلا ، م وقدرت بخمس ألفات ، وبأربع ونصف ، وبأربع على الخلاف ، وهي فيها لحمزة عنده . وورش
السادسة : فوق ذلك ، وقدرها الهذلي بخمس ألفات على تقدير الخامسة بأربع ، وذكر أنها لحمزة .
السابعة : الإفراط ، قدرها الهذلي بست ، وذكرها . لورش
قال ابن الجزري : وهذا الاختلاف في تقدير المراتب بالألفات لا تحقيق وراءه ، بل هو لفظي ; لأن المرتبة الدنيا - وهي القصر - إذا زيد عليها أدنى زيادة صارت ثانية ، ثم كذلك حتى تنتهي إلى القصوى .
وأما العارض : فيجوز فيه - لكل من القراء - كل من الأوجه الثلاثة : المد والتوسط والقصر ، وهي أوجه تخيير .
وأما السبب المعنوي : فهو قصد المبالغة في النفي ، وهو سبب قوي مقصود عند العرب ، وإن كان أضعف من اللفظي عند القراء .
ومنه مد التعظيم في نحو : لا إله إلا هو [ البقرة : 163 ] لا إله إلا الله [ الصافات : 35 ] لا إله إلا أنت [ الأنبياء : 87 ] وقد ورد عن أصحاب القصر في المنفصل لهذا المعنى ويسمى مد المبالغة .
[ ص: 318 ] قال ابن مهران في كتاب " المدات " : إنما سمي مد المبالغة ، لأنه طلب للمبالغة في نفي إلهية سوى الله - تعالى - .
قال : وهذا مذهب معروف عند العرب ; لأنها تمد عند الدعاء وعند الاستغاثة ، وعند المبالغة في نفي شيء ، ويمدون ما لا أصل له بهذه العلة .
قال ابن الجزري : وقد ورد عن حمزة مد المبالغة للنفي في ( لا ) التي للتبرئة ، نحو : لا ريب فيه [ البقرة : 2 ] لا شية فيها [ البقرة : 71 ] لا مرد له [ الروم : 43 ] لا جرم [ هود : 22 ] وقدره في ذلك وسط ، لا يبلغ الإشباع لضعف سببه . نص عليه ابن القصاع .
وقد يجتمع السببان : اللفظي والمعنوي ، في نحو : لا إله إلا الله [ الصافات : 35 ] و لا إكراه في الدين [ البقرة : 256 ] و فلا إثم عليه [ البقرة : 173 ] . فيمد لحمزة مدا مشبعا على أصله في المد لأجل الهمز ، ويلغى المعنوي إعمالا للأقوى وإلغاء للأضعف .
قاعدة : إذا تغير سبب المد جاز المد مراعاة للأصل ، والقصر نظرا للفظ ، سواء كان السبب همزا أو سكونا ، سواء تغير الهمز ببين بين ، أو بإبدال أو حذف ; والمد أولى فيما بقي لتغير أثره ، نحو : هؤلاء إن كنتم [ البقرة : 31 ] . في قراءة قالون ، والقصر فيما ذهب أثره نحوها في قراءة والبزي أبي عمرو .
قاعدة : متى اجتمع سببان قوي وضعيف عمل بالقوي ، وألغي الضعيف إجماعا ، ويتخرج عليها فروع :
منها : الفرع السابق في اجتماع اللفظي والمعنوي .
ومنها نحو : جاءوا أباهم [ يوسف : 16 ] و رأى أيديهم [ هود : 70 ] . إذا قرئ لا يجوز فيه القصر ولا التوسط بل الإشباع ، عملا بأقوى السببين ، وهو المد لأجل الهمز بعده فإن وقف على جاءوا أو رأى جازت الأوجه الثلاثة بسبب تقدم الهمز على حرف المد وذهاب سببية الهمز بعده . لورش
فائدة : قال : أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران النيسابوري . مدات القرآن على عشرة أوجه
مد الحجز : في نحو : أأنذرتهم [ البقرة : 6 ] أأنت قلت للناس [ المائدة : 116 ] أئذا متنا [ المؤمنون : 82 ] أؤلقي الذكر عليه [ القمر : 25 ] لأنه أدخل بين الهمزتين [ ص: 319 ] حاجزا خففهما لاستثقال العرب جمعهما ، وقدره ألف تامة بالإجماع ، فحصول الحجز بذلك .
ومد العدل : في كل حرف مشدد وقبله حرف مد ولين نحو : الضالين لأنه يعدل حركة ; أي : يقوم مقامها في الحجز بين الساكنين .
ومد التمكين : في نحو : أولئك و الملائكة وسائر المدات التي تليها همزة لأنه جلب ليتمكن به من تحقيقها وإخراجها من مخرجها .
ومد البسط : ويسمى أيضا مد الفصل في نحو : بما أنزل لأنه يبسط بين كلمتين ويفصل به بين كلمتين متصلتين .
ومد الروم : في نحو : ( ها أنتم ) لأنهم يرومون الهمزة من ( أنتم ) ولا يحققونها ولا يتركونها أصلا ، ولكن يلينونها ، ويشيرون إليها . وهذا على مذهب من لا يهمز ( ها أنتم ) وقدره ألف ونصف .
ومد الفرق : في نحو : آلآن لأنه يفرق به بين الاستفهام والخبر وقدره ألف تامة بالإجماع . فإن كان بين ألف المد حرف مشدد زيد ألف أخرى ليتمكن به من تحقيق الهمزة ، نحو : والذاكرين الله .
ومد البنية : في نحو : ماء و دعاء و نداء و " زكرياء " ; لأن الاسم بني على المد فرقا بينه وبين المقصور .
ومد المبالغة : في نحو : لا إله إلا الله .
ومد البدل من الهمزة : في نحو : آدم و آخر و آمن ، وقدره ألف تامة بالإجماع .
ومد الأصل : في الأفعال الممدودة ، نحو : جاء و شاء ، والفرق بينه وبين مد البنية أن تلك الأسماء بنيت على المد ، فرقا بينها وبين المقصور ، وهذه مدات في أصول أفعال أحدثت لمعان . انتهى .