أخرج الحاكم في مستدركه ، والبيهقي في الدلائل ، في مسنده : من طريق والبزار عن الأعمش ، إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ، قال : ما كان " يا أيها الذين آمنوا " أنزل بالمدينة ، وما كان " يا أيها الناس " فبمكة .
وأخرجه أبو عبيد في " الفضائل " عن علقمة مرسلا .
وأخرج عن ، قال : ما كان في القرآن ( ميمون بن مهران ياأيها الناس ) أو ( يابني آدم فإنه مكي ، وما كان " ياأيها الذين آمنوا " فإنه مدني .
قال ابن عطية وابن الفرس وغيرهما : هو في ( ياأيها الذين آمنوا ) صحيح ، وأما ( ياأيها الناس ) فقد يأتي في المدني .
وقال ابن الحصار : وقد اعتنى المتشاغلون بالنسخ بهذا الحديث ، واعتمدوه على ضعفه ، وقد اتفق الناس على أن ( النساء ) مدنية ، وأولها : ( ياأيها الناس ) وعلى أن ( الحج ) مكية ; وفيها : ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا [ الحج : 77 ] .
وقال غيره : هذا القول إن أخذ على إطلاقه فيه نظر ، فإن سورة البقرة مدنية ، وفيها ياأيها الناس اعبدوا ربكم [ البقرة : 21 ] ياأيها الناس كلوا مما في الأرض [ البقرة : 168 ] وسورة النساء مدنية ، وأولها : يا أيها الناس .
[ ص: 82 ] وقال مكي : هذا إنما هو في الأكثر وليس بعام وفي كثير من السور المكية : يا أيها الذين آمنوا .
وقال غيره : الأقرب حمله على أنه خطاب ، المقصود به - أو جل المقصود به - أهل مكة أو المدينة .
وقال القاضي : إن كان الرجوع في هذا إلى النقل فمسلم ، وإن كان السبب فيه حصول المؤمنين بالمدينة على الكثرة دون مكة فضعيف ، إذ يجوز خطاب المؤمنين بصفتهم وباسمهم وجنسهم . ويؤمر غير المؤمنين بالعبادة كما يؤمر المؤمنون بالاستمرار عليها والازدياد منها . نقله الإمام فخر الدين في تفسيره .
وأخرج البيهقي في الدلائل ، من طريق يونس بن بكير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : كل شيء نزل من القرآن فيه ذكر الأمم والقرون فإنما نزل بمكة وما كان من الفرائض والسنن فإنما نزل بالمدينة .
وقال الجعبري : . لمعرفة المكي والمدني طريقان : سماعي وقياسي
فالسماعي : ما وصل إلينا نزوله بأحدهما .
والقياسي : كل سورة فيها ( ياأيها الناس ) فقط ، أو ( كلا ) أو : أولها حرف تهج - سوى الزهراوين والرعد - أو : فيها قصة آدم وإبليس - سوى البقرة - فهي مكية ، وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية مكية ، وكل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية . انتهى .
وقال : كل سورة فيها ذكر المنافقين فمدنية ، زاد غيره : سوى العنكبوت . مكي
وفي كامل الهذلي : كل سورة فيها سجدة فهي مكية .
وقال الديريني - رحمه الله - :
وما نزلت ( كلا ) بيثرب فاعلمن ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى
وحكمة ذلك : أن نصفه الأخير نزل أكثره بمكة ، وأكثرها جبابرة ، فتكررت فيه على وجه [ ص: 83 ] التهديد والتعنيف لهم ، والإنكار عليهم ، بخلاف النصف الأول . وما نزل منه في اليهود لم يحتج إلى إيرادها فيه لذلتهم وضعفهم ; ذكره العماني .
فائدة : أخرج عن الطبراني ، : نزل المفصل ابن مسعود بمكة ، فمكثنا حججا نقرؤه ، لا ينزل غيره .
تنبيه : قد تبين بما ذكرناه من الأوجه التي ذكرها ابن حبيب : المكي والمدني ، وما اختلف فيه ، وترتيب نزول ذلك ، والآيات المدنيات في السور المكية والآيات المكيات في السور المدنية ، وبقي أوجه تتعلق بهذا النوع ذكر هو أمثلتها فنذكره .
مثال بمكة وحكمه مدني : ما نزل ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى [ الحجرات : 13 ] الآية نزلت بمكة يوم الفتح ، وهي مدنية ; لأنها نزلت بعد الهجرة . وقوله اليوم أكملت لكم دينكم [ المائدة : 3 ] كذلك .
قلت : وكذا قوله إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها [ النساء : 58 ] في آيات أخر .
ومثال بالمدينة وحكمه مكي : سورة الممتحنة ; فإنها نزلت ما نزل بالمدينة مخاطبة لأهل مكة .
وقوله في النحل : والذين هاجروا [ النحل : 41 ] إلى آخرها ، نزل بالمدينة مخاطبا به أهل مكة .
وصدر براءة ، نزل بالمدينة خطابا لمشركي أهل مكة .
ومثال : قوله في النجم : ما يشبه تنزيل المدني في السور المكية الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم .
[ ص: 84 ] [ النجم : 32 ] . فإن الفواحش كل ذنب فيه حد ، والكبائر كل ذنب عاقبته النار ، واللمم ما بين الحدين من الذنوب . ولم يكن بمكة حد ، ولا نحوه .
ومثال ما يشبه تنزيل مكة في السور المدنية : قوله : ( والعاديات ضبحا ) وقوله في الأنفال : وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق الآية [ الأنفال : 32 ] .
ومثال مكة إلى المدينة : سورة يوسف ، والإخلاص . ما حمل من
قلت : و ( سبح ) ، كما تقدم في حديث . البخاري
ومثال المدينة إلى مكة : ما حمل من يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه [ البقرة : 217 ] وآية الربا ، وصدر براءة ، وقوله : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم [ النساء : 97 ] الآيات .
ومثال الحبشة : ما حمل إلى قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء [ آل عمران : 64 ] الآيات .
قلت : صح حملها إلى الروم .
وينبغي أن يمثل لما حمل إلى الحبشة بسورة مريم ، فقد صح أن قرأها على جعفر بن أبي طالب وأخرجه النجاشي ، أحمد في مسنده .
وأما بالجحفة والطائف وبيت المقدس والحديبية ; فسيأتي في النوع الذي يلي هذا ، ويضم إليه ما نزل ما أنزل بمنى وعرفات وعسفان وتبوك وبدر وأحد وحراء وحمراء الأسد .