الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع القلق والخوف من الموت أثناء الحمل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا معلمة، عمري 25 سنة، متزوجة وحامل في الشهر السادس، وهذا أول حمل لي.

أُعاني من حالات هلع وخوف شديد من الموت ليلاً ونهارًا، بدأت هذه الحالة قبل أربع سنوات، عندما مررتُ بتجربة عاطفية قاسية، تركت آثارًا نفسية عميقة وسلبية للغاية.

رزقني الله بزوج رائع في صفاته، يخاف علي أكثر من نفسه، ويدعمني بكل الحب والحنان، وأنا أحبه كثيرًا، دائمًا ما يحاول أن يخفف عني، وقد اقترح عليّ كل طرق العلاج الممكنة لتهدئة خوفي، لكنه اشترط أن يكون ذلك بعد ولادتي -إن شاء الله.

لكن صبري قد نفد، فبعد أربع سنوات تراكم بداخلي شعور بالخوف من الفقد والموت، لدرجة أنني أصبحت أراه في كل مكان، وفي أي لحظة، أخاف من أي شيء يُذكرني به: كالجوامع، وصوت الأذان، والقرآن، والبرامج الدينية، والشيوخ، والمقابر، وحتى الأخبار، والسيارة، والطريق؛ فكلها أشياء ارتبطت في ذهني بإمكانية حدوث حادث أو موت مفاجئ، فأبقى متوترة، شاحبة، وأعاني من ضيق في التنفس.

كذلك الأمر مع الأبراج والأماكن المرتفعة، سواء رأيتها فقط أو كنت قريبة منها.

باختصار: أصبحت أتجنب مشاهدة التلفاز وسماع الراديو، وحياتي تنكمش شيئًا فشيئًا، تخيفني المجالس التي يُذكر فيها الموت، وأشعر بتوتر شديد فيها خوفًا من أن يُثار الحديث عن الموت، فأحاول التهرب منها قدر الإمكان.

وعندما لا أستطيع الهروب لأي سبب، أصاب باحمرار في الوجه، يتبعه شحوب ثم زرقة بدرجة معينة، وأدخل في حالة من التشويش الذهني، وعدم القدرة على التركيز، مع اضطراب شديد في الرؤية وضيق حاد في التنفس... يا الله! ما أصعبها من لحظات! لقد حولت حياتي إلى جحيم.

أحيانًا، عندما تصل حالتي إلى ذروتها، أتمنى الموت فقط لأتخلص من هذا العذاب... وهذا تناقض كبير، حاولت بكل الطرق الممكنة أن أخرج من هذه الحالة، لكن دون جدوى.

وما يُقلقني بشدة الآن هو خوفي على طفلي، فأنا لا أتمنى ما أعانيه حتى لعدوي، فكيف بطفلي القادم؟!

أسأل الله، ثم أرجو منكم المساعدة... أرجوكم، ساعدوني، ولكم الأجر والثواب والجنة بإذن الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الوصف الذي أوردته في رسالتك واضح ودقيق، ومن الناحية التشخيصية أنتِ تعانين مما يعرف بالاضطراب الفزعي، وهو نوع من الهلع أو الهرع الذي قد يأتي فجأة، وبعد ذلك تستمر عملية القلق، ويتولد منها ما نسميه بالقلق التحفزي أو القلق التوقعي، أي أن الإنسان دائماً يكون في حالة من الوساوس، بأن هذه الحالة سوف تنتابه أو تأتيه في أي لحظة.

أما الشعور بقرب الموت، أو الخوف منه بصورة مرضية، فهو من المكونات الرئيسة لنوبات الهرع أو الهلع.

أيتها الفاضلة: أود أن أؤكد لكِ وبصورة قاطعة أن هذه الحالات، بالرغم مما تسببه من إزعاج للناس، إلا أنها تعتبر من الحالات النفسية الحميدة جدًّا، وهي تُشخّص تحت أمراض القلق، وأسبابها غير معروفة، وإن كان البعض يرى أن هذه الحالات يمكن أن نرجعها إلى التنشئة والتكوين الغريزي للشخصية، أو لاكتساب خبرات سالبة، تعرض فيها الإنسان لنوع من الخوف أو الهرع في مرحلة الطفولة أو اليفاعة.

عموماً، أياً كان السبب، فإن العلاج واضح، وأول خطوات العلاج هي أن تتفهمي حالتك، وهي أنها نوع من المخاوف القلقية، وليس أكثر من ذلك، وهي لا تسبب أي نوع من الخطورة على الإنسان من الناحية الصحية الجسدية أو النفسية، وأن نوبات الهرع قد تتولد عنها مخاوف متعددة، مثل ما حدث في حالتك.

هذه الحالات تعالج بتفهم طبيعتها، كما ذكرنا، وبعد ذلك تتخذين خطوات أكثر إيجابية تحاولين من خلالها أن تُحقّري هذه الأعراض، قولي لنفسك: (هذا مجرد قلق، ما الذي يجعلني أقلق؟! أنا الحمد لله بخير).

أنتِ في هذه المرحلة يجب أن تركّزي على الحمل، هذه النعمة العظيمة التي أنعم الله بها عليك، وتكونين في حالة استرخاء ويقين، وشيء من الانشراح والفرح لابد أن يمازج حياتك في هذه المرحلة.

تمارين الاسترخاء مفيدة، وإن كان تطبيقها مع الحمل ربما يكون فيه شيء من الصعوبة، ولكن إن استطعتِ تطبيق التمارين فهذا شيء جيد.

هناك بعض الآليات السلوكية الأخرى التي تقوم على مبدأ ربط المخاوف بنوع من المنفرات، مثلاً: تأملي في هذه المخاوف، وفي نفس اللحظة قومي بالضرب على يدك بجسم صلب حتى تشعري بالألم، القصد هو أن تربطي وتمزجي بين الألم والشيء المنفر، والشعور بالخوف والوساوس، هذه التمارين إذا كررت عدة مرات مع شيء من التركيز وُجد أنها مفيدة.

العلاج الدوائي لا شك أنه مطلوب ومفيد في مثل هذه الحالات، وأنا أقدر أنك في منتصف الشهر السادس من الحمل الآن، وفي هذه المرحلة تعتبر الأدوية سليمة جدًّا، وإن كنتُ أعلم أنك ربما لا تشعرين بطمأنينة كبيرة لتناول الأدوية أثناء الحمل، ولكن عموماً سأعرض عليك أحد الأدوية التي نعتبرها سليمة وفاعلة.

الدواء معروف تجاريًا باسم (سيبرالكس Cipralex) وعلميًا باسم (إسيتالوبرام Escitalopram)، يمكنك بدء تناوله بجرعة ٥ ملليجرام يوميًا، أي ما يعادل نصف قرص من الحبة التي تحتوي على ١٠ ملليجرام.

استمري بهذه الجرعة لمدة أسبوع، ثم ارفعي الجرعة إلى ١٠ ملليجرام يوميًا لمدة شهرين. بعد ذلك، قومي بتخفيض الجرعة إلى ٥ ملليجرام يوميًا لمدة أسبوع، يليها ٥ ملليجرام كل يومين لمدة أسبوع آخر، ثم يمكنك التوقف عن تناول الدواء.

ما أقصده هو أن أحدد لكِ فترة العلاج، بحيث تتوقفي عن تناول الدواء قبل الولادة -إن شاء الله-؛ لأنني لا أوصي بتناول الأدوية خلال فترة الرضاعة.

وأنا واثق تمامًا أنه إذا تعمقتِ في فهم حالتك، وحاولتِ قدر الإمكان التقليل من هذه الأفكار القلقة، وتأملتِ الجوانب الإيجابية في حياتك، ومارستِ تمارين الاسترخاء، وأدرتِ وقتك بشكل جيد، وذكرتِ نفسك بأن لديك زوجًا رؤومًا ومحِبًا – كما ذكرتِ– فهذا هو أجمل ما تتمنى المرأة.

لا شك أن عدم التفريط في حقوق الله تعالى من أكبر المعينات للإنسان، فعليكِ بالصلاة في وقتها، والدعاء والاستغفار والذكر وتلاوة القرآن.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونسأل الله تعالى لكِ الصحة والسلامة، وأن يرزقكِ الذرية الصالحة، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً