الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أول مكس وضع في الأرض

وحدثنا علي بن محمد بن الجهم أبو طالب الكاتب ، قال : حدثنا العباس بن عبد الله الترفقي ، قال : حدثنا محمد بن يوسف القربان ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت هشام بن الحارث يقول : أول مكس وضع على وجه الأرض ، خرجت عجوز على عهد سليمان النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعها دقيق لها فسكبته الريح فذرته ، فأتت سليمان تستعدي على الريح ، فقال : انظروا من طابت له الريح اليوم في البحر فأغرموه دقيقها .  

قال : القاضي رحمه الله : الذي أتت به شريعة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا أن لا عوض مما تذروه الريح على من طابت له وعلى من لم تطب له وشريعة نبينا هي المأخوذ بها إلى يوم القيامة وما خالف شيئا منها في الصورة من شرائع الأمم الخالية والقرون الماضية فهو منسوخ بما أتت ، وهذا الخبر لم يأت من طريق ينقطع العذر به ويقطع على مغيبة ، ولا عزي إلى من تجب الحجة بقوله ، وإن ثبت أن نبي الله سليمان عليه السلام قضى هذه القضية ، فإنها كانت هكذا في شريعته إذ هو نبي معصوم ولا يقضي بغير الحق ، ولا يحكم بخلاف العدل ، وقد قال الله جل ذكره : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم ، وقال : جل ثناؤه : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون .

قال القاضي : ولم يكن من الصواب عندي أن يعبر فيما أتى به هذا الخبر بالمكس ، إذ المكس ما يأخذ الظالمون من العشارين وغيرهم من المسلمين قسرا بغير وجه حق وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الزناة وغيرهم أنه قال : " لقد تاب هذا توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " ، وفي بعض المحرمات : " من فعل هذا كان عليه من الإثم مثل ما عليه صاحب مكس " ، وكل هذا ينبئ عن عظيم إثم المكس ، وفي المكس قول الشاعر :


وفي كل أسواق العراق إتاوة وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم

التالي السابق


الخدمات العلمية