الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كيف تم استخلاف عمر بن عبد العزيز  

حدثنا أحمد بن يحيى بن المولى قال حدثنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي قال حدثنا محمد بن المبارك الصوري قال حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن حسان الكناني قال : لما مرض سليمان بن عبد الملك المرض الذي توفي فيه ، وكان مرضه بدابق ، ومعه رجاء بن حيوة ، فقال لرجاء بن حيوة : يا رجاء من لهذا الأمر من بعدي؟ أستخلف ابني؟ قال : ابنك غائب ، قال : فالآخر؟ قال : ذاك صغير ، قال : فمن ترى؟ قال : أرى أن تستخلف عمر بن عبد العزيز . قال : أتخوف بني عبد الملك ، أن لا يرضوا ، قال : فول عمر بن عبد العزيز ومن بعده يزيد بن عبد الملك ، وتكتب كتابا وتختم عليه وتدعوهم إلى بيعته مختوما عليها ، قال : لقد رأيت ، إيتني بقرطاس ، قال : فدعا [ ص: 498 ] بقرطاس فكتب فيه العهد لعمر بن عبد العزيز ومن بعده يزيد بن عبد الملك ثم ختمه ودفعه إلى رجاء ، قال : اخرج إلى الناس فمرهم فليبايعوا على ما في هذا الكتاب مختوما ، قال : فخرج إليهم رجاء فجمعهم وقال : إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب من بعده ، قالوا : ومن فيه؟ قال : مختوم لا تخبرون بمن فيه حتى يموت ، قالوا : لا نبايع حتى نعلم من فيه ، قال : فرجع رجاء إلى سليمان ، قال : انطلق إلى أصحاب الشرط والحرس وناد الصلاة جامعة ، ومر الناس فليجتمعوا ، ومرهم بالبيعة على ما في هذا الكتاب ، فمن أبى أن يبايع منهم فاضرب عنقه ، قال : ففعل ، فبايعوا على ما فيه ، قال رجاء : فلما خرجوا خرجت إلى منزلي فبينا أنا أسير في الطريق إذ سمعت جلبة موكب ، فالتفت فإذا هشام ، فقال لي : يا رجاء قد علمت موقعك منا وإن أمير المؤمنين قد صنع شيئا لا أدري ما هو ، وأنا أتخوف أن يكون قد أزالها عني ، فإن يكن عدلها عني فأعلمني ما دام في الأمير نفس حتى أنظر في هذا الأمر قبل أن يموت ، قال قلت : سبحان الله يستكتمني أمير المؤمنين أمرا أطلعك عليه؟ لا يكون ذلك أبدا ، فأدارني وألاصني فأبيت عليه ، قال : فانصرف . فبينا أنا أسير إذ سمعت جلبة خلفي ، فإذا عمر بن عبد العزيز فقال لي : يا رجاء إنه قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل ، أتخوف أن يكون قد جعلها إلي ، ولست أقوم بهذا الشأن فأعلمني ما دام في الأمير نفس لعلي أتخلص منه ما دام حيا ، قلت : سبحان الله يستكتمني أمير المؤمنين أميرا أطلعك عليه؟ فأدراني وألاصني فأبيت عليه ، قال رجاء وثقل سليمان ، وحجب الناس عنه حتى مات ، فلما مات أجلسته وأسندته وهيأته وخرجت إلى الناس فقالوا : كيف أصبح أمير المؤمنين؟ فقلت : إن أمير المؤمنين قد أصبح ساكنا ، وقد أحب أن تسلموا عليه وتبايعوا على ما في هذا الكتاب ، والكتاب بين يديه ، قال : فأذنت للناس فدخلوا وأنا قائم عنده ، فلما دنوا قلت : إن أميركم يأمركم بالوقوف ، ثم أخذت الكتاب من عنده ، ثم تقدمت إليهم فقلت : إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا على ما في الكتاب أجمعين وفرغت من بيعتهم قلت : لهم : آجركم الله في أمير المؤمنين قالوا : فمن فافتح الكتاب ، فإذا فيه العهد لعمر بن عبد العزيز ، فلما نظرت بنو عبد الملك تغيرت وجوههم ، فلما قرأوا من بعده يزيد بن عبد الملك كأنهم تراجعوا ، فقالوا : أين عمر بن عبد العزيز ؟ فطلبوه فلم يوجد في القوم ، قال : فنظروا فإذا هو في مؤخر المسجد ، قال : فأتوه فسلموا عليه بالخلافة فعقر فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه فرقوا به المنبر ، فلم يقدر على الصعود حتى أصعدوه ، فجلس طويلا لا يتكلم ، فلما رآهم رجاء جلوسا قال : ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعوه؟ قال : فنهض القوم إليه فبايعوه رجلا رجلا ، قال فمد يده إليهم ، قال : فصعد إليه هشام فلما مد يده إليه قال يقول هشام إنا لله وإنا إليه راجعون ، فقال عمر : نعم إنا لله وإنا إليه راجعون حين صار [ ص: 499 ] يلي هذا الأمر أنا وأنت . قال : ثم قام عمر فحمد الله وأثنى عليه وقال : أيها الناس إني لست بقاض ولكني منفذ ، ولست بمبتدع ولكني متبع ، وإن حولكم من الأمصار والمدن فإن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا وليكم ، وإن هم نقموا فلست لكم بوال . ثم نزل يمشي فأتاه صاحب المراكب فقال : ما هذا؟ قالوا : مركب الخليفة ، قال : لا حاجة لي فيه ، إيتوني بدابتي ، فأتوه بدابته فركبها ثم خرج يسير وخرجوا معه ، فمالوا إلى طريق ، قال : إلى أين؟ قالوا : إلى البيت الذي يهيأ للخليفة ، قال : لا حاجة لي فيه ، انطلقوا بي إلى منزلي ، قال رجاء :

فأتى منزله فنزل عن دابته ، ثم دعا بدواة وقرطاس وجعل يكتب بيده إلى العمال في الأمصار ويمل على نفسه ، قال رجاء : فلقد كنت أظن أن سيضعف فلما رأيت صنيعه في الكتاب علمت أنه سيقوى بهذا ونحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية