امرؤ القيس يحمل لواء الشعر إلى النار
حدثنا أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير القاضي، قال: حدثنا سليمان ابن سيف، قال: حدثنا حيان أبو عبد الله جار أبي عاصم، قال: حدثني هشام بن محمد بن السائب، قال: حدثني فروة بن سعيد بن عفيف بن معدي كرب، عن أبيه، عن جده، قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل إليه وفد من اليمن، فقالوا: يا رسول الله! لقد أحيانا الله عز وجل ببيتين من شعر امرئ القيس، قال: وكيف ذاك؟ قالوا: أقبلنا نريدك حتى إذا كنا ببعض الطريق أخطأنا الطريق فمكثنا ثلاثا لا نقدر عليه، فتفرقنا إلى أصول طلح وسمر ليموت كل رجل منا في ظل شجر، فبينما نحن بآخر رمق فإذا راكب يوضع على بعير معتم، فلما رآه بعضنا قال والراكب يسمع:
لما رأت أن الشريعة همها وأن البياض من فرائصها دامي تيممت العين التي عند ضارج
يفيء عليها الظل عرمضها طامي
رواية أخرى للخبر
حدثنا أحمد بن علي بن السكين البلدي، قال: حدثني أبو داود سليمان بن يوسف الحراني، قال: حدثنا حيان بن هلال أبو عبد الله البصري جار أبي عاصم قال حدثنا محمد بن عبد الله بن السائب، قال: حدثنا فروة بن عفيف أو قال: عفيف بن معدي كرب، عن أبيه، عن جده، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه قوم من الأعراب حفاة عراة، فقالوا: يا رسول الله لقد أنجانا الله ببيتين من شعر امرئ القيس بن حجر، قال: وكيف ذاك؟ قالوا: يا رسول الله! أقبلنا نريدك حتى إذا كنا ببعض الطريق أضللناه ثلاثا لا نقدر عليه، فبينا نحن كذلك عمد كل رجل منا إلى ظل شجرة أو سمرة ليموت تحتها، فإذا راكب على بعير له يوضع، فلما رآه بعضنا قال والراكب يسمع:
لما رأت أن الشريعة همها وأن البياض من فرائصها دامي
تيممت العين التي عند ضارج يفيء عليها الظل عرمضها طامي
قال القاضي: قوله في هذا الخبر والشعر: وأن البياض من فرائصها دامي (الفرائص) جمع فريصة وهي الموضع الذي يترعد من الدابة، قال النابغة الذبياني:
شك الفريصة بالمدرى فأنفذها شك المبيطر إذ يشفي من العضد
وأما قوله: تيممت العين، فمعناه قصدت وتعمدت، يقال: يممت كذا وكذا إذا قصدته، ومن ذلك قول الله عز وجل: فتيمموا صعيدا طيبا يعني اقصدوا، وذكر أنها في قراءة فأقول: والمعنى واحد، أممت وتيممت مثل عمدت وتعمدت، ويقال: أممت، قال الله عز وجل عبد الله بن مسعود. ولا آمين البيت الحرام يعني قاصدين وعامدين، وقال عز ذكره: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ، وقرأ "ولا تيمموا" أي توجهوا، ومن هذا الباب قول الشاعر: مسلم بن جندب:
إني كذاك إذا ما ساءني بلد يممت صدر بعيري غيره بلدا
تيممت قيسا وكم دونه من الأرض من مهمه ذي شزن
تيممت همدان الذين هم هم إذا ناب خطب جنتي وسهامي
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها فعمدا على عيني تيممت مالكا
أتانا عن بني الأحرا ر عنه قول لم يكن أمما
كوفية نازح محلتها لا أمم دارها ولا صقب
ولو نار ليلى بالعذيب بدت لنا لحبت إلينا دار من لا يصاقب
فما أنس من الأشياء لا أنس قولها لعل النوى بعد التفرق تصقب
ومعنى قوله: يفيء عليها الظل، معنى يفيء: يرجع يقال فاء الظل أي رجع قبل الزوال، ولا يقال له حينئذ فيء، وإنما يقال له فيء بعد الزوال لرجوعه، وكلا الوجهين ظل، قال حميد بن ثور الهلالي:
فلا الظل من برد الضحى نستطيعه ولا الفيء من برد العشي نذوق
وقول امرئ القيس: عرمضها طامي، العرمض: الطحلب الذي يكون في الماء ويقال له عرمض وعلفق ونور، وقوله: طامي، يعني أنه عال يقال: طما الوادي إذا امتلأ وعلا ماؤه، قال الأعشى:
ما جعل الجد الظنون الذي جنب صوب اللجب الماطر
مثل النواتي إذا ما طما يقذف بالبوصي والماهر