[ ص: 296 ] وأما قولهم : كل صفة منها غير الأخرى :
فهذا إن أرادوا به أن صفات الرب سبحانه وتعالى قد تباينه وتنفصل عنه ، وهو حقيقة قولهم . ويقولون مع ذلك : إنها متصلة به ، فهو جمع بين النقيضين ، تمثيل باطل ، وهو حجة عليهم لا لهم . وتمثيلهم بشعاع الشمس
فإن الشعاع القائم بالهواء والأرض والجبال والشجر والحيطان ، ليس هو قائما بذات الشمس .
والقائم بذات الشمس ، ليس هو قائما بالهواء والأرض .
فإن قالوا : بل ما يقوم به من العلم يفيض منه على قلوب الأنبياء علوم ، كما يفيض الشعاع من الشمس .
قيل لهم : لا اختصاص للمسيح بهذا ، بل هذا قدر مشترك بينه وبين غيره من الأنبياء ، وليس في هذا حلول ذات الرب ولا صفته القائمة به بشيء من مخلوقاته ، ولا أن العبد بما حل فيه من العلم والإيمان يصير إلها معبودا .
[ ص: 297 ] وإن أرادوا أنها قائمة به ، وتسمى كل واحدة غير الأخرى ، فهنا نزاع لفظي ، هل تسمى غيرا أو لا تسمى غيرا ؟
فإن من الناس من يقول : كل صفة للرب عز وجل فهي غير الأخرى ، ويقول : الغيران ما جاز وجود أحدهما مع عدم الآخر ، أو ما جاز العلم بأحدهما مع الجهل بالآخر .
ومنهم من يقول ليست هي الأخرى ، ولا هي هي ؛ لأن الغيرين ما جاز وجود أحدهما مع عدم الآخر ، أو ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بزمان أو مكان أو وجود .
والذي عليه سلف الأمة وأئمتها إذا قيل لهم : علم الله وكلام الله ، هل هو غير الله أم لا ؟ لم يطلقوا النفي ولا الإثبات ، فإنه إذا قال : غيره ؛ أوهم أنه مباين له .
وإذا قال : ليس غيره ؛ أوهم أنه هو ، بل يستفصل السائل ، فإن أراد بقوله : غيره ؛ أنه مباين له منفصل عنه - فصفات الموصوف لا تكون مباينة له منفصلة عنه ، وإن كان مخلوقا ، فكيف بصفات الخالق ؟
وإن أراد بالغير أنها ليست هي هو ، فليست الصفة هي الموصوف ، فهي غيره بهذا الاعتبار ، . واسم الرب تعالى إذا أطلق يتناول الذات المقدسة بما يستحقه من صفات الكمال ، فيمتنع وجود الذات عرية عن صفات الكمال
فاسم الله يتناول الذات الموصوفة بصفات الكمال ، وهذه الصفات ليست زائدة على هذا المسمى ، ، بل هي داخلة في المسمى ، ولكنها [ ص: 298 ] زائدة على الذات المجردة التي تثبتها نفاة الصفات ، فأولئك لما زعموا أنه ذات مجردة قال هؤلاء : بل الصفات زائدة على ما أثبتموه من الذات .
وأما في نفس الأمر ، فليس هناك ذات مجردة تكون الصفات زائدة عليها ، بل . الرب تعالى هو الذات المقدسة الموصوفة بصفات الكمال ، وصفاته داخلة في مسمى أسمائه سبحانه وتعالى