الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 296 ] وأما قولهم : كل صفة منها غير الأخرى :

فهذا إن أرادوا به أن صفات الرب سبحانه وتعالى قد تباينه وتنفصل عنه ، وهو حقيقة قولهم . ويقولون مع ذلك : إنها متصلة به ، فهو جمع بين النقيضين ، وتمثيلهم بشعاع الشمس  تمثيل باطل ، وهو حجة عليهم لا لهم .

فإن الشعاع القائم بالهواء والأرض والجبال والشجر والحيطان ، ليس هو قائما بذات الشمس .

والقائم بذات الشمس ، ليس هو قائما بالهواء والأرض .

فإن قالوا : بل ما يقوم به من العلم يفيض منه على قلوب الأنبياء علوم ، كما يفيض الشعاع من الشمس .

قيل لهم : لا اختصاص للمسيح بهذا ، بل هذا قدر مشترك بينه وبين غيره من الأنبياء ، وليس في هذا حلول ذات الرب ولا صفته القائمة به بشيء من مخلوقاته ، ولا أن العبد بما حل فيه من العلم والإيمان يصير إلها معبودا .

[ ص: 297 ] وإن أرادوا أنها قائمة به ، وتسمى كل واحدة غير الأخرى ، فهنا نزاع لفظي ، هل تسمى غيرا أو لا تسمى غيرا ؟

فإن من الناس من يقول : كل صفة للرب عز وجل فهي غير الأخرى ، ويقول : الغيران ما جاز وجود أحدهما مع عدم الآخر ، أو ما جاز العلم بأحدهما مع الجهل بالآخر .

ومنهم من يقول ليست هي الأخرى ، ولا هي هي ؛ لأن الغيرين ما جاز وجود أحدهما مع عدم الآخر ، أو ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بزمان أو مكان أو وجود .

والذي عليه سلف الأمة وأئمتها إذا قيل لهم : علم الله وكلام الله ، هل هو غير الله أم لا ؟ لم يطلقوا النفي ولا الإثبات ، فإنه إذا قال : غيره ؛ أوهم أنه مباين له .

وإذا قال : ليس غيره ؛ أوهم أنه هو ، بل يستفصل السائل ، فإن أراد بقوله : غيره ؛ أنه مباين له منفصل عنه - فصفات الموصوف لا تكون مباينة له منفصلة عنه ، وإن كان مخلوقا ، فكيف بصفات الخالق ؟

وإن أراد بالغير أنها ليست هي هو ، فليست الصفة هي الموصوف ، فهي غيره بهذا الاعتبار ، واسم الرب تعالى إذا أطلق يتناول الذات المقدسة بما يستحقه من صفات الكمال ، فيمتنع وجود الذات عرية عن صفات الكمال   .

فاسم الله يتناول الذات الموصوفة بصفات الكمال ، وهذه الصفات ليست زائدة على هذا المسمى ، ، بل هي داخلة في المسمى ، ولكنها [ ص: 298 ] زائدة على الذات المجردة التي تثبتها نفاة الصفات ، فأولئك لما زعموا أنه ذات مجردة قال هؤلاء : بل الصفات زائدة على ما أثبتموه من الذات .

وأما في نفس الأمر ، فليس هناك ذات مجردة تكون الصفات زائدة عليها ، بل الرب تعالى هو الذات المقدسة الموصوفة بصفات الكمال ، وصفاته داخلة في مسمى أسمائه سبحانه وتعالى   .

التالي السابق


الخدمات العلمية