فصل .
[ ترتيب الآيات توقيفي ] .
الإجماع والنصوص المترادفة على أن لا شبهة في ذلك . ترتيب الآيات توفيقي ،
أما الإجماع : فنقله غير واحد ، منهم الزركشي في البرهان ، وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته ، وعبارته : ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه - صلى الله عليه وسلم - وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين . انتهى .
وسيأتي من نصوص العلماء ما يدل عليه .
وأما النصوص : فمنها حديث زيد السابق : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - نؤلف القرآن من الرقاع .
[ ص: 215 ] ومنها : ما أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن حبان والحاكم ، قال : قلت ابن عباس لعثمان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني ، وإلى براءة وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال ؟ .
فقال عثمان : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنزل عليه السورة ذات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب ، فيقول : ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فظننت أنها منها ، فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال . عن
ومنها : ما أخرجه أحمد بإسناد حسن عن ، قال : عثمان بن أبي العاص جبريل ، فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى [ النحل : 90 ] إلى آخرها . كنت جالسا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ شخص ببصره ثم صوبه ، ثم قال : أتاني
ومنها : ما أخرجه عن البخاري ، ابن الزبير قال : قلت لعثمان : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا [ البقرة : 240 ] قد نسختها الآية الأخرى ، فلم تكتبها ولم تدعها ؟ قال : يا ابن أخي ، لا أغير شيئا منه من مكانه .
ومنها : ما رواه مسلم ، عن عمر ، قال : . ما سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء أكثر مما سألته ، عن [ ص: 216 ] الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال : تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء
ومنها : الأحاديث في خواتيم سورة البقرة .
ومنها : ما رواه مسلم ، عن مرفوعا : أبي الدرداء . من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال
وفي لفظ عنده : . من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف
ومن النصوص الدالة على ذلك إجمالا : ما ثبت من قراءته - صلى الله عليه وسلم - لسور عديدة :
كسورة البقرة وآل عمران والنساء في حديث حذيفة .
والأعراف في صحيح أنه قرأها في المغرب . البخاري
( قد أفلح ) روى النسائي أنه قرأها في الصبح ، حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أخذته سعلة فركع .
[ ص: 217 ] والروم : روى الطبراني أنه قرأها في الصبح .
و الم تنزيل و هل أتى على الإنسان روى الشيخان : أنه كان يقرؤهما في صبح الجمعة .
و ( ق ) في صحيح مسلم : أنه كان يقرؤها في الخطبة .
و ( الرحمن ) : في المستدرك وغيره : أنه قرأها على الجن .
[ ص: 218 ] و ( النجم ) : في الصحيح : قرأها بمكة على الكفار وسجد في آخرها .
و ( اقتربت ) : عند مسلم أنه كان يقرؤها مع ( ق ) في العيد .
و ( الجمعة ) و ( المنافقون ) : في مسلم : أنه كان يقرأ بهما في صلاة الجمعة .
و ( الصف ) : في المستدرك ، عن : عبد الله بن سلام . أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأها عليهم حين أنزلت حتى ختمها
وفي سور شتى من المفصل تدل قراءته - صلى الله عليه وسلم - لها بمشهد من الصحابة : أن ترتيب آياتها توقيفي وما كان الصحابة ليرتبوا ترتيبا سمعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على خلافه ، فبلغ ذلك مبلغ التواتر .
نعم يشكل على ذلك : ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف من طريق محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، قال : أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة ، فقال : أشهد أني سمعتهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووعيتهما ، فقال عمر : وأنا أشهد لقد سمعتهما . ثم قال : لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة ، فانظروا آخر سورة من القرآن ، فألحقوها في آخرها .
[ ص: 219 ] قال ابن حجر : ظاهر هذا أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم ، وسائر الأخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك إلا بتوقيف .
قلت : يعارضه ما أخرجه ابن أبي داود - أيضا - من طريق أبي العالية ، عن أبي بن كعب ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون [ التوبة : 127 ] ظنوا أن هذا آخر ما أنزل .
فقال أبي إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأني بعد هذا آيتين لقد جاءكم رسول [ التوبة : 128 - 129 ] إلى آخر السورة . أنهم جمعوا القرآن ، فلما انتهوا إلى الآية التي في سورة براءة :
وقال وغيره : ترتيب الآيات في السور بأمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة . مكي
وقال القاضي أبو بكر في الانتصار : ترتيب الآيات أمر واجب ، وحكم لازم ، فقد كان جبريل يقول : " ضعوا آية كذا في موضع كذا " .
وقال - أيضا - : الذي نذهب إليه أن جميع القرآن - الذي أنزله الله ، وأمر بإثبات رسمه ، ولم ينسخه ، ولا رفع تلاوته بعد نزوله - هو هذا الذي بين الدفتين ، الذي حواه مصحف عثمان ، وأنه لم ينقص منه شيء ، ولا زيد فيه . وأن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله - تعالى - ورتبه عليه رسوله من آي السور ، لم يقدم من ذلك مؤخرا ولا أخر مقدما ، وإن الأمة ضبطت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترتيب آي كل سورة ومواضعها ، وعرفت مواقعها كما ضبطت عنه نفس القراءات وذات التلاوة . وأنه يمكن أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد رتب سوره ، وأن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده ، ولم يتول ذلك بنفسه .
قال : وهذا الثاني أقرب .
وأخرج ، عن ابن وهب ، قال : سمعت مالكا يقول : إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال البغوي في شرح السنة : الصحابة - رضي الله عنهم - جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله ، من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئا ، خوف ذهاب بعضه بذهاب [ ص: 220 ] حفظته ، فكتبوه كما سمعوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير أن قدموا شيئا وأخروا ، أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا ، بتوقيف جبريل إياه على ذلك ، وإعلامه عند نزول كل آية : أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا ، فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه ، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب ، أنزله الله جملة إلى السماء الدنيا ، ثم كان ينزله مفرقا عند الحاجة . وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة .
وقال ابن الحصار : ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي ، وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومما أجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ضعوا آية كذا في موضع كذا