الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا المعيل لأهلي ووالدي لا يريدني أن أخطب من أحببتها!

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب، عمري 28 سنةً، تعرفت على فتاة منذ 6 سنوات ونصف تقريبًا، وكانت هي معي في الوسط الدراسي، أحبتني كثيرًا، وكانت تساعدني في أمور كثيرة في الدراسة، وفي أشياء أخرى، من: مال، وجهد، نتكلم عبر الإنترنت، وعندما أحسست بأنها تحبني فعلاً قلت لها بأني أريد أن أخطبها، وأرسلت أهلي إليها، ولم تحدث الخطبة بسبب عدم إنهائها الدراسة الجامعية، ونحن في هذه الفترة وقبلها على تواصل دائم، وتأتي إلينا؛ لأنها أيضًا صديقة أختي، ونذهب أحيانًا لرؤية بعضنا، وقد حدث شيء من المخالفات أكثر من مرة، ولكننا تبنا، وأريد أن أخطبها، ولكن وضعي المادي سيئ جدًا، وأبي لا يعمل، وأنا المعيل لأهلي، كما أن أبي لا يريدني أن أخطبها؛ بسبب أنها ليست ملتزمةً، ولديها بعض التصرفات السيئة، وأنا محتار جدًا.

أنا أحبها، ولكنني المعيل لأهلي حاليًا، ولن أستطيع تحمل العبء الذي يلحق الخطبة، كما أن أبي معارض؛ فقد كلمت أبي بأنها تريدني، ووصفها أبي بأنها جريئة، ولكن القرار في النهاية قراري، فماذا أفعل؟

لقد وعدتها بالخطبة، وقد مر وقت طويل، وأخشى أن تذهب مني، ولكني واقع في متاهة بينها وبين أهلي؛ فليس لديهم أحد سواي، فهل أتقدم لخطبتها، وأوازن بينهما، أم أنتظر حتى يحصل شيء جديد معي أو مع أبي؟

نحن نحاول أن نبتعد عن الحرام بأن نقدم الخطبة الآن، ولو تأخر الزواج؛ لأنه يوجد احتمال بأنها ستسافر، بعدها نقوم بخطوة الزواج، ولكن حتى الخطبة لم تتيسر معنا، فما العمل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام، وحُسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يتوب عليكم، وأن يغفر لكم ما حصل من التجاوزات.

والإنسان فعلًا يقع في إشكال وحرج عندما يبدأ العلاقات دون أن يتأكد من إمكانية إتمام مراسيم الزواج، ويحصل التعلُّق، وعند ذلك تأتي بعض المواقف التي تصدم الإنسان.

أريد أن أسأل بدايةً: هل هي على علم بظروفك الاقتصادية والوضع الذي أنت فيه؟ وهل هي راضية بهذا الوضع؟ لأن هذا من الأمور الأساسية والمهمّة.

الأمر الثاني: كلام الوالد يدل على أنه غير راضٍ، لكنه أيضًا لا يُمانع من أن تُكمل معها إن كنت حريصًا على ذلك، وتريد أن تُكمل معها مشوارك، فهو لا يريد أن يقف في طريقك، ومسألة الموازنة بين حق الأهل وحق الزوجة من الأمور الشرعية؛ فللوالدين حق عظيم، وكذلك الزوجة لها حقٌ عظيم، ونسأل الله أن يُعينك على تحسين الظروف المادية، حتى تنجح في القيام بهذه المهام.

إذا كان هناك مجال للانتظار حتى تتحسّن الظروف، وهذا الأمر ينبغي أن يكون واضحًا للطرفين، وأرجو أيضًا أن تبتعد عنها، حتى يُبارك الله لكم؛ لأن هذه التجاوزات الحاصلة آثارها خطيرة، سواءً أكملتم العلاقة (الزواج)، أو لم تُكملوها، فإذا لم تُكملوها فيكون من الإشكال أن الإنسان يتعلّق بشيءٍ وهو بعيدٌ عنه وهو حرام عليه، وإذا أتممتم العلاقة فستكون هذه أيضًا من مداخل الشيطان، الذي يجمعكم على هذه المخالفات والتجاوزات.

لذلك أوَّلًا لا بد من حسم هذا الأمر، إمَّا أن تتقدّم، أو تتأخّر، وعلى أهلك أن يتواصلوا مع أهلها ليُحدّدوا هذا الأمر، إذًا: إدارة حوار داخلي مع أسرتك، وإقناعك بأنك تريد أن تتزوج اليوم أو غدًا، فإذا نجحت في هذا، فانتقل للمرحلة التي بعدها، بأن تتواصل الوالدة مع والدتها، والأخوات مع أخواتها أيضًا حتى يطمئن الطرف الثاني بأنكم ستُكملون المشوار.

ثم بعد ذلك تحدث الخطبة، والخطبة أيضًا ما هي إلَّا وعدٌ بالزواج، لا تُبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته، ولا الخروج بها، ولا التوسُّع معها في الكلام، ولكن تُتيح الفرصة للطرفين من أجل الإعداد والاستعداد، حتى تتحوّل هذه الخطبة إلى عقد نكاح، وبعد ذلك لا بد أن يكون الوضع الاقتصادي واضحاً للطرفين؛ فالرضا بالقليل، والحرص على تبسيط إجراءات الزواج؛ هذا من الأمور المهمة، وهو سببٌ للبركة، والإنسان ينبغي أن يجتهد، ويبذل الأسباب، ويعمل، ولكن من المهم أن نوقن أن الرزق بيد الله، والله العظيم قال: {إن يكونوا فقراء يُغنهم الله من فضله}، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ثلاث حقٌ على الله عونهم) منهم: (الناكح يريد العفاف).

فإذا تبتم إلى الله، ورجعتم إلى الله، وصدقتم مع الله، فإن الله هو الرزاق، وبتقوى الله تعالى تجلب الأرزاق، {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب}، وقال: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يُسرًا}.

والاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها جلبٌ للأرزاق: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفّارا * يُرسل السماء عليكم مدرارًا ويُمددكم بأموال وبنين}، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذًا تُكفى همّك ويُغفر لك ذنبك).

والسلف فهموا من قوله تعالى: {إن يكونوا فقراء يُغنهم الله من فضله} فكان قائلهم يقول: (التمسوا الغنى في النكاح)، والزوجة تأتي برزقها، والأبناء يأتون برزقهم؛ لأن الله هو الرزاق، لكن الإنسان يبذل ما عليه، ثم يتوكل على الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يُعينك على تجاوز هذه الصعوبات، حتى يحصل هذا أرجو أن تحرّض نفسك، وتحرض -الطرف الثاني أيضًا- على فعل ما يُرضي الله؛ لأن هذه التجاوزات والمخالفات والمعاصي لها شؤمها وثمارها المُرَّة.

نسأل الله أن يُعينكم على التوبة النصوح، وعلى تصحيح هذه العلاقة حتى توضع في مسارها الشرعي الصحيح، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً