الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
25 - ( 164 ) - حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا عثمان بن عمر ، حدثنا عكرمة بن عمار ، عن سماك أبي زميل الحنفي ، قال : حدثني عبد الله بن عباس ، قال : [ ص: 150 ] حدثني عمر بن الخطاب ، قال : لما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ، قال : دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى ، ويقولون : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ، وذلك قبل أن يؤمر بالحجاب ، قال عمر : فقلت : لأعلمن ذلك اليوم ، قال : فدخلت على عائشة ، فقلت : يا بنت أبي بكر أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : ما لي ولك يا ابن الخطاب ؟ عليك بعيبتك ، قال : فدخلت على حفصة ابنة عمر ، فقلت : يا حفصة ، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك ، ولولا أنا لطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فبكت أشد البكاء ، فقلت لها : أين رسول الله ؟ قالت : هو في خزانته في المشربة ، فدخلت ، فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على أسكفة المشربة ، مدل رجليه على نقير من خشب ، وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر ، فناديته ، [ ص: 151 ] فقلت : يا رباح ، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر رباح إلى الغرفة ، ثم نظر إلي فلم يقل شيئا ، فقلت : يا رباح ، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر رباح إلى الغرفة ، ثم نظر إلي فلم يقل شيئا ، فقلت : يا رباح ، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى الغرفة ، ثم نظر إلي فلم يقل شيئا ، ثم رفعت صوتي ، فقلت : يا رباح ، استأذن لي عندك على رسول الله ، فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئت من أجل حفصة ، والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها ، ورفعت صوتي ، فأومأ إلي أن ائذنه ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير ، فجلست ، فإذا عليه إزاره وليس عليه غيره ، فإذا الحصير قد أثر في جنبه ، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ، ومثلها قرظا في ناحية الغرفة ، وإذا أفيق معلق ، قال : فابتدرت عيناي ، قال : ما يبكيك يا ابن الخطاب ؟ فقلت : يا نبي الله ، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك ، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى ؟ وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله وصفوته ، وهذه خزانتك ؟ قال : يا ابن الخطاب ، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا ؟ قلت : بلى ، قال : ودخلت عليه حين دخلت ، [ ص: 152 ] وأنا أرى في وجهه الغضب ، فقلت : يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء ؟ فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته ، وجبريل وميكائيل ، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك ، وقلما تكلمت - وأحمد الله - بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول ، قال : ونزلت هذه الآية ، آية التخيير : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ، وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، أطلقتهن ؟ قال : لا ، فقلت : يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصاة ، ويقولون : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ، فانزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن ، قال : نعم ، إن شئت ، فلم أزل أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى كشر فضحك ، وكان من أحسن الناس ثغرا ، ثم نزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت أتشبث بالجذع ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيده ، فقلت له : يا رسول الله ، إنما كنت في الغرفة تسعة وعشرين يوما ؟ قال : إن الشهر يكون تسعا وعشرين ، فقمت على باب المسجد ، فناديت بأعلى صوتي : لم يطلق نساءه ، قال : [ ص: 153 ] ونزلت هذه الآية : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، فكنت أنا الذي استنبطت ذاك الأمر ، فأنزل الله آية التخيير   .

التالي السابق


الخدمات العلمية