[ ص: 54 ] باب
ذكر المد وموضعه في الحروف
اعلم أن نقاط بلدنا جرت عادتهم قديما وحديثا على أن جعلوا على حروف المد واللين الثلاثة - الألف والياء والواو - مطة بالحمراء ؛ دلالة على زيادة تمكينهن ، وذلك عند لقيهن الهمزات والحروف السواكن . فالألف نحو : بما أنزل إليك ، و " ما أنزل من قبلك " ، و خائفين ، و الضالين ، و العادين ، و من حاد الله ، وما أشبهه . والياء نحو : يا بني إسرائيل ، و يضيء ، و بريئون ، وما أشبهه . والواو نحو : قالوا ءامنا ، و قوا أنفسكم ، و ثلاثة قروء ، و أتحاجوني ، و تأمروني ، وما أشبهه .
ولا يجوز أن تجعل هذه المطة على الحرف المتحرك قبل حرف المد ، كما يفعل ذلك قوم من جهلة النقاط وأغبياء المعلمين ؛ لأن الصوت لا يمتد بمتحرك ، وإنما يمتد بالحروف الثلاثة ؛ لكونهن مع نداوتهن سواكن .
[ ص: 55 ] وكذا لا ينبغي أن يخالف بالمطة في الألف والياء والواو ، بل تجعل من فوقهن أبدا ، لكونها صوتا يهوي إلى الحلق ، ويخرج مائلا إلى الهمزات والسواكن قليلا ، وذلك من حيث كانت حروف المد أصواتا ينقطعن عند الهمزات ، وينتهي تمطيطهن إليهن ، ويتصلن أيضا بالسواكن ، فيلزم أن تقرب المطة في النقط من ذلك ؛ ليكون دليلا على أن انقطاع الصوت لحرف المد عنده .
وهذا إذا كان مرسوما في الخط ، ثابتا في الكتابة .
فإن كان محذوفا من ذلك لعلة ، أو كان حرفا زائدا ، صلة لهاء ضمير أو لميم جميع ، ففيه وجهان : أحدهما أن يرسم بالحمرة ، وتجعل المطة عليه . والثاني ألا يرسم ، وتجعل تلك المطة في موضعه ؛ دلالة على حذفه من الرسم ، وثباته في اللفظ . فالألف المحذوفة نحو : أولئك ، و " الملائكة " ، و " يأيها " ، و " يأولي " ، و هؤلاء ، وما أشبهه . والياء المحذوفة نحو " النبئين " ، و " به إن كنتم " ، و بتأويله إنا ، وما أشبهه . وكذا : الداع إذا ، و لئن أخرتن إلى ، و إن ترن أنا ، وما أشبهه ، على قراءة من أثبت الياء في ذلك ، وسوى بين المتصل والمنفصل في حروف المد . والواو المحذوفة نحو : فأووا إلى الكهف ، و " وإن تلوا أو تعرضوا " ، و ليسئوا وجوهكم ، على قراءة من قرأ ذلك كذلك . وكذا : آ[تا]كم [إن ربك] ، و عليكم أنفسكم ، على قراءة من ضم ميم [ ص: 56 ] الجمع ووصلها بواو ، ولم يميز بين المنفصل والمتصل في حروف المد . وكذلك : تأويله إلا الله ، و إذ جاءه أليس ، وما أشبه ذلك ، حيث وقع .
وعامة نقاط أهل العراق من السلف والخلف لا يجعلون في المصاحف علامة للسكون ولا للتشديد ولا للمد ، بل يعرون الحروف من ذلك كله . والفرق عندهم بين المشدد والمخفف جعل نقطة على الحرف المشدد ، وإعراء الحرف المخفف منها فقط .
وإذ كان سبب نقط المصاحف تصحيح القراءة وتحقيق الألفاظ بالحروف ، حتى يتلقى القرآن على ما نزل من عند الله تعالى ، وتلقي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونقل عن صحابته - رضوان الله عليهم - ، وأداه الأئمة - رحمهم الله تعالى - ؛ فسبيل كل حرف أن يوفى حقه بالنقط ، مما يستحقه من الحركة والسكون والشد والمد والهمز وغير ذلك ، ولا يخص ببعض ذلك دون كله . وبالله التوفيق .
* * *