[ ص: 138 ] باب
ذكر الواو وموضع الهمزة منها
اعلم أن الهمزة تقع من الواو على ثلاثة أضرب أيضا ، كما تقع من الألف والياء سواء : تقع قبلها ، وفيها نفسها ، وبعدها ، على حسب ما فسر في الألف .
فأما وقوع الهمزة قبل الواو فلا يكون إلا حشوا . ولا تكون الواو إلا ساكنة . وما قبل الهمزة يتحرك بالفتح والكسر والضم ، ويسكن أيضا ، ويكون ألفا وياء . وتختص الهمزة من الحركات بالضم لا غير .
فالمتحرك بالفتح نحو قوله : كما تبرءوا ، و " يدرءون " ، و فادرءوا ، و " لا يئوده " ، و يئوسا ، و تبوءوا الدار ، و مبرءون ، و بدءوكم ، و قال اخسئوا ، و تطئوهم ، و لم تطئوها ، و " لا يطئون " ، و ليئوس ، و رءوف ، [ ص: 139 ] حيث وقع على قراءة من مد . و " مرجئون " على قراءة من همز ، وشبهه .
والمتحرك بالكسر نحو قوله : متكئون ، و " مستهزءون " ، و فمالئون ، و أنبئوني ، و ليطفئوا ، و " قل استهزءوا " ، و " يستنبئونك " ، و الخاطئون ، و " الصابئون " على قراءة من همز ، وشبهه مما الواو فيه للجميع .
والمتحرك بالضم نحو قوله : رءوسهم ، و رءوسكم ، و رءوس الشياطين ، وشبهه .
والساكن نحو قوله : مذءوما ، و مسؤولا ، وشبهه .
والياء نحو قوله : بريئون ، و " النبيئون " على قراءة من همز .
[ ص: 140 ] والألف نحو قوله : " وباءو " ، و " فإن فاءو " ، و " جاءو " ، و إذ جاءوكم ، و " أسائوا السوأى " ، و يراءون وشبهه .
فإذا نقط هذا الضرب جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء أمامها ، قبل الواو في السطر . ولم تصور الهمزة في ذلك واوا ؛ كراهة للجمع بين صورتين متفقتين .
النحوي وعامة الكوفيين يجعلون صورة الهمز ، إذا وليتها الكسرة في نحو ما تقدم ، ياء من حيث يقلبونها إليها في حال التسهيل . وذلك في غير المصحف . والأخفش وعامة البصريين يصورونها واوا ، من حيث قربوها منها في التسهيل ؛ ثم تحذف تخفيفا واختصارا ، ولئلا تجتمع واوان في الرسم . وقيل : إنما حذفت صورة الهمزة في ذلك على لغة من أسقط الهمزة وضم الحرف الذي قبلها في التسهيل . وهي لغة حكاها وسيبويه عن العرب ، وبها قرأ الكسائي ، أبو جعفر القارئ من رواية وابن عامر عن الوليد بن مسلم ، عنه . يحيى بن الحارث
* * *
وأما وقوع الهمزة في الواو نفسها فيكون حشوا وطرفا . وتتحرك في الحشو بالفتح والضم ، وتسكن أيضا . وتتحرك في الطرف بالكسر والضم .
فالمتوسطة المفتوحة نحو قوله : فليؤد ، و يؤده ، و مؤجلا ، [ ص: 141 ] و مؤذن ، و " المؤلفة " ، و لا تؤاخذنا ، و " ما نؤخره " ، و بسؤال ، و الفؤاد ، و " هزؤا " ، و " كفؤا " على قراءة من همزهما ، وحرك ما قبل الهمزة . و حسبتهم لؤلؤا وشبهه .
والمضمومة نحو قوله : تؤزهم ، و يكلؤكم ، و يذرؤكم ، و نقرؤه ، وشبهه . وكذلك : أولياؤه ، و " أحباؤه " ، و جزاؤهم ، و " ءاباؤكم " ، و " أبناؤكم " ، و " التناؤش " على قراءة من همز ، وشبهه . وكذلك : " رؤف " على قراءة من قصر .
[ ص: 142 ] والساكنة نحو قوله : يؤمنون ، و يؤفكون ، و المؤمنون ، و " المؤتفكة " ، و " المؤتفكات " ، و سؤلك ، و تسؤهم ، و الذي اؤتمن ، وشبهه .
والمتطرفة المكسورة نحو قوله : كأمثال اللؤلؤ ، و " من ذهب ولؤلؤ " على قراءة من قرأ بالخفض .
والمضمومة نحو قوله : إن امرؤ هلك ، و لؤلؤ مكنون . وكذلك " الملؤا " ، و " تفتؤا " ، و " يعبؤا " ، و " لا تظمؤا " ، و " يدرؤا " ، و " ينبؤا " ، و " أومن ينشؤا " ، و " نبؤا الخصم " ، [ ص: 143 ] و " نبؤا عظيم " . وكذلك : " جزؤا " ، و " شركؤا " ، و " الضعفؤا " ، و " ما نشؤا " ، و " ما دعؤا " وشبهه مما رسمت الهمزة المتطرفة المضمومة فيه واوا على نحو حركتها ، ومراد الاتصال دون الانفصال .
فإذا نقط هذا الضرب جعلت الهمزة نقطة بالصفراء في الواو نفسها ، وجعلت حركتها نقطة بالحمراء من فوقها إن كانت مفتوحة ، ومن تحتها إن كانت مكسورة ، وأمامها إن كانت مضمومة . وإن كانت ساكنة جعل عليها علامة السكون .
* * *
وأما وقوع الهمزة بعد الواو فيكون حشوا وطرفا . وتتحرك في الحشو بالفتح ، وفي الطرف بالحركات الثلاث .
فالتي في الحشو نحو قوله : سوءا يجز به ، و سوءة أخيه ، و " سوءاتكم " ، و " سوءاتهما " ، و " النبوءة " على قراءة من همز ، وشبهه . سواء انضم ما قبل الواو أو انفتح .
[ ص: 144 ] والتي في الطرف نحو قوله : والسوء على الكافرين ، و بالسوء ، و عن سوء فإن الله ، و من سوء ما بشر به ، و ثلاثة قروء ، و لم يمسسهم سوء ، و سوء أعمالهم ، وشبهه .
فإذا نقط هذا الضرب جعلت الهمزة نقطة بالصفراء بعد الواو في البياض . وجعلت حركتها نقطة بالحمراء من فوقها إن كانت مفتوحة ، ومن تحتها إن كانت مكسورة ، ومن أمامها إن كانت مضمومة . وإن لحقها تنوين في حال النصب جعلت الحركة والتنوين نقطتين على الألف المصورة بعدها ، على ما تقدم . وإن لحقها في حال الرفع والخفض جعلت النقطتان تحتها في الخفض ، وأمامها في الرفع .
ولم تصور الهمزة في هذا الضرب فرارا من الجمع بين صورتين متفقتين . ولأنها إذا سهلت في ذلك ألقي حركتها على ما قبلها ، وسقطت من اللفظ . فلم تصور لذلك . وقد صورها كتاب المصاحف في ثلاث كلم ، وهن قوله : " أن تبوأ " في ( المائدة ) ، و " لتنوأ " في ( القصص ) ، و السوأى في ( الروم ) . فإذا نقطن جعلت الهمزة فيهن في الألف التي هي صورتها ، وحركتها عليها في الفتح ، وأمامها في الرفع .
* * *
[ ص: 145 ] وهذه صورة الألف ، وموقع الهمزة منها :
أ أ أ
وهذه صورة الياء ، وموقع الهمزة منها :
ئ ئ ئ
وهذه صورة الواو ، وموقع الهمزة منها :
و و و * * *
فهذه مواضع الهمزة من الألف والياء والواو على وجه الاستقصاء ، وعلى ما يوجبه قياس العربية ، وتحققه طريق التلاوة ، ومذاهب أئمة القراءة .
* * *
[ ص: 146 ] فأما ما يحكى عن بعض المتقدمين من النقاط والنحويين من جعلهم للهمزة مع حرف المد أحكاما كثيرة سوى ما ذكرناه ، وإيقاعهم إياها في أماكن شتى منهن ، وتلقيبهم الواو والألف وموضع الهمزة منهما بألقاب جمة كقولهم : هامة الواو ، ويافوخ الواو ، وقمحدوة الواو ، وجبهة الواو ، وخاصرة الواو ، ومضجع الواو ، وقفا الواو ، وذنب الواو ، إلى غير ذلك من الألقاب التي قضوا ، لوقوع الهمزة فيها في الألف والياء والواو ؛ فشيء لا وجه له في قياس ، ولا معنى في نظر ، ولا حقيقة له في تلاوة ، ولا أثر له في نقل . فلا ينبغي الإصغاء إليه ، ولا يجب العمل به ؛ لخروجه عما ذكرناه ، ومباينته لما حددناه ، مما دللنا على صحته وكيفية حقيقته .
ومما يبين ما ذهبنا إليه من أن للهمزة مع الأحرف الثلاثة ثلاثة أحكام لا غير ، ويرفع الإشكال في صحة ذلك ، ويبطل ما عداه مما ذهب إليه من أومأنا إليه من النقاط والنحاة ، إجماع أئمة القراءة وعلماء العربية على أن موضع الهمزة من الكلمة يمتحن بالعين ، فحيثما استقرت العين فهو موضع الهمزة . ونحن إذا امتحنا موضعها بذلك لم تتعد أحد الثلاثة المواضع التي حددناها وشرحناها ، ولم تستقر في غيرها . فدل ذلك دلالة قاطعة على صحة ما قلناه وذهبنا إليه ، وبطول ما خالفه وخرج عنه ، مما ذهب إليه مخالفونا . وبالله التوفيق .
* * *
فإن قال قائل : من أين انعقد إجماع من ذكرته من القراء والنحويين على تخصيص العين دون سائر حروف الحلق وغيرها بالامتحان لموضع الهمزة ؟
[ ص: 147 ] قيل : لمعنى في العين أوجب لها التخصيص ، وهو كونها أكثر حروف المعجم ورودا في المنطق ، وتكررا في اللفظ . فجعلت للامتحان لخفتها وقرب تناولها ، ولتناسب وكيد أيضا بينها وبين الهمزة . وهو اجتماعهما دون غيرهما من حروف الحلق في الجهر الذي هو الإعلان ، والشدة التي هي ارتفاع الصوت بالحرف . وكون العين أول حرف من المخرج الثاني من الحلق . كما أن الهمزة أول حرف من المخرج الأول منه ، وهو الذي يلي الثاني ، ويتصل به . فلذلك خصت بالامتحان ، وانفردت بالدلالة على موضع استقرار الهمزة من الكلمة . ولأجله أيضا جعل جميع النحويين والكتاب في الكتب صورتها صورة عين ، إعلاما بذلك ، ودلالة عليه .
* * *
فإن قال : فمن أين اصطلح السلف على أن جعلوا علامة الهمزة ، وهي حرف من الحروف ، نقطة بالصفراء ، والنقطة علامة لحركات الحروف ؟
قيل : اصطلحوا على ذلك من حيث اجتمعت معهن في أن جعل لها صورة ، كما تجعل لهن . فلما شاركتهن في جعل الصورة شاركتهن في العلامة . ثم خصت الهمزة دونهن بأن جعلت بالصفراء ، وجعلن دونها بالحمراء ؛ لتتميز بذلك منهن ، وتبين به عنهن . إذ كانت حرفا من الحروف ، وكن حركات حروف .
على أن سلف أهل العراق قد خالفوا سلف أهل المدينة في ذلك ، فجعلوها بالحمراء كالحركات . وما جرى عليه استعمال أهل المدينة من جعلها بالصفراء ، فرقا بينها وبين الحركات ، هو الوجه ، وعليه العمل . حدثنا أحمد بن عمر الجيزي ، قال : نا محمد بن الأصبغ الإمام ، قال : نا عبد الله بن عيسى ، قال : نا [ ص: 148 ] قال : في مصاحف أهل قالون المدينة ما كان من الحروف التي بنقط الصفرة فمهموزة .
* * *
فإن قيل : فمن أين خصت حروف المد الثلاثة - الألف والياء والواو - بأن جعلن صورة للهمزة دون غيرهن من الحروف ؟
قيل : وجب تخصيصهن بذلك من حيث شاركتهن في الإعلال والتغيير ، وكانت الهمزة إذا عدل بها عن التحقيق إلى التخفيف قربت منهن في حال التسهيل ، فجعلت المفتوحة بينها وبين الألف ، والمكسورة بينها وبين الياء ، والمضمومة بينها وبين الواو ، وأبدلت حرفا خالصا منهن في حال البدل . فلذلك جعلن صورا لها دون سائر الحروف . وبالله التوفيق .