[ ص: 110 ] باب
ذكر أحكام الهمزتين اللتين من كلمتين
اعلم أن الهمزتين تلتقيان من كلمتين على ثمانية أضرب فالضرب الأول أن تتحركا بالفتح وذلك نحو قوله : جاء أحدهم ، و السفهاء أموالكم ، و شاء أنشره ، وشبهه .
والضرب الثاني أن تتحركا بالكسر ، وذلك نحو قوله : هؤلاء إن كنتم ، و من النساء إلا ، و على البغاء إن أردن ، وشبهه .
والضرب الثالث أن تتحركا بالضم . وذلك في موضع واحد ، وهو قوله في ( الأحقاف ) : أولياء أولئك .
والضرب الرابع أن تتحرك الأولى بالضم ، والثانية بالفتح ، وذلك نحو قوله : السفهاء ألا ، و سوء أعمالهم ، و " ما يشاء ألم تر " ، وشبهه .
[ ص: 111 ] والضرب الخامس أن تتحرك الأولى بالكسر ، والثانية بالفتح . وذلك نحو قوله : من خطبة النساء أو أكننتم ، و هؤلاء أهدى ، و من الماء أو مما ، وشبهه .
والضرب السادس أن تتحرك الأولى بالفتح ، والثانية بالكسر . وذلك نحو قوله : شهداء إذ ، و أولياء إن استحبوا ، وشبهه .
والضرب السابع أن تتحرك الأولى بالضم ، والثانية بالكسر . وذلك نحو قوله : من يشاء إلى صراط ، و السوء إن أنا ، و شهداء إلا أنفسهم ، وشبهه .
والضرب الثامن أن تتحرك الأولى بالفتح ، والثانية بالضم . وذلك في قوله في ( المؤمنين ) : " كلما جاء أمة " .
* * *
فأما الضرب الأول فاختلفت القراءة فيه على ثلاثة أوجه . منهم من يحقق الهمزتين فيه . ومنهم من يسقط الأولى منهما إسقاطا ، ويحقق الثانية . ومنهم من يحقق الأولى ، ويسهل الثانية .
[ ص: 112 ] فأما نقط ذلك على مذهب من حقق الهمزتين فهو أن تجعل الهمزة الأولى نقطة بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء عليها ، بعد الألف التي هي آخر الكلمة الأولى . وتجعل الهمزة الثانية نقطة بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء عليها ، في الألف التي هي أول الكلمة الثانية . وصورة ذلك كما ترى : جاء أحدهم ، السفهاء أموالكم ، تلقاء أصحاب النار ، وشبهه .
وأما نقطه على مذهب من أسقط الهمزة الأولى ، وحقق الهمزة الثانية فهو أن يعرى ما بعد الألف التي هي آخر الكلمة الأولى من علامة التحقيق التي هي نقطة بالصفراء ، ومن علامة التسهيل التي هي نقطة بالحمراء ؛ لأنها تذهب من اللفظ رأسا ، ولا يبقى لها أثر . وتجعل الهمزة الثانية نقطة بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء ، في الألف التي هي أول الكلمة الثانية . وصورة ذلك كما ترى : " جا أجلهم " ، " تلقا أصحاب " ، " شا أنشره " ، وشبهه .
وأما نقطه على مذهب من حقق الهمزة الأولى ، وسهل الهمزة الثانية ؛ فهو أن تجعل المحققة نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها ، بعد الألف الأولى ، وتجعل المسهلة نقطة بالحمراء فقط في رأس الألف الثانية . وصورة ذلك كما ترى : " جاء اجلهم " ، السفهاء أموالكم ، " شاء انشره " ، وشبهه .
فإن أتى بعد الهمزة الثانية في هذا الضرب ألف ، وذلك في قوله في ( الحجر ) : " جاء ءال لوط " ، وفي ( القمر ) : " جاء ءال فرعون " جعلت الهمزة [ ص: 113 ] الثانية في مذهب من حققها نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها ، قبل تلك الألف . وجعلت في مذهب من سهلها نقطة بالحمراء قبلها أيضا . وصورة النقط على مذهب من حققها والتي قبلها كما ترى : " جاء ءال " . وعلى مذهب من حققها وأسقط التي قبلها : " جا ءال " . وعلى مذهب من سهلها وحقق التي قبلها : " جاء ال " .
* * *
وأما الضرب الثاني فاختلفت القراءة فيه على أربعة أوجه : منهم من يحقق الهمزتين فيه . ومنهم من يسقط الأولى رأسا ، ويحقق الثانية . ومنهم من يحقق الأولى ، ويسهل الثانية . ومنهم من يسهل الأولى ، ويحقق الثانية .
فأما نقط ذلك على مذهب من حقق الهمزتين فهو أن تجعل الهمزة الأولى نقطة بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء تحتها ، بعد الألف التي هي آخر الكلمة الأولى . وتجعل الهمزة الثانية نقطة بالصفراء ، وحركتها تحتها ، في الألف التي هي أول الكلمة الثانية . وصورة ذلك كما ترى : هؤلاء إن كنتم ، و من النساء إلا ، وشبهه .
وأما نقطه على مذهب من أسقط الهمزة الأولى ، وحقق الهمزة الثانية فهو أن يعرى ما بعد الألف من علامة التحقيق والتسهيل ، وتجعل الهمزة الثانية نقطة [ ص: 114 ] بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء في الألف الثانية . وصورة ذلك كما ترى : " هؤلا إن كنتم " ، و " من النسا إلا " ، وشبهه .
وأما نقطه على مذهب من يحقق الأولى ، ويسهل الثانية فهو أن تجعل الهمزة الأولى المحققة نقطة بالصفراء ، وحركتها من تحتها نقطة بالحمراء ، بعد الألف الأولى ، وتجعل الهمزة الثانية المسهلة نقطة بالحمراء تحت الألف الثانية . وصورة ذلك كما ترى : " هؤلاء ان " ، و " من النساء الا " وشبهه .
وأما نقطه على مذهب من سهل الأولى ، وحقق الثانية فهو أن تجعل المسهلة نقطة بالحمراء بعد الألف الأولى ، وتجعل المحققة نقطة بالصفراء ، وحركتها تحتها نقطة بالحمراء ، تحت الألف الثانية . وصورة ذلك كما ترى : " هؤلا إن كنتم " ، و " من النسا إلا " ، وشبهه . وإن شاء الناقط جعل الهمزة المسهلة بعد الألف في هذا المذهب ياء صغرى بالحمرة من حيث قربت بالتسهيل منها . ويعريها من الحركة ؛ لأن كسرتها ليست بخالصة ، لما ذكرناه قبل . وصورة ذلك كما ترى : " هؤلا إن كنتم " ، و " من النسا إلا " ، وشبهه .
* * *
وأما الضرب الثالث فاختلفت القراءة فيه على أربعة أوجه أيضا : منهم من يحقق الهمزتين فيه . ومنهم من يسقط الأولى ، ويحقق الثانية . ومنهم من يحقق الأولى ، ويسهل الثانية . ومنهم من يسهل الأولى ، ويحقق الثانية .
[ ص: 115 ] فأما نقط ذلك على مذهب من حقق الهمزتين فهو أن تجعل الأولى نقطة بالصفراء ، وحركتها أمامها نقطة بالحمراء ، بعد الألف التي هي آخر الكلمة الأولى . وتجعل الهمزة الثانية نقطة بالصفراء في الألف التي هي أول الكلمة الثانية . وتجعل حركتها نقطة بالحمراء بعدها ، على قول النحويين ؛ لأنهم يزعمون أن الواو التي بعد الهمزة زائدة للفرق . وعلى قول أصحاب المصاحف تجعل تلك الحركة في الواو نفسها ؛ لأنها صورة لها . وصورة نقط ذلك على قول النحويين كما ترى : أولياء أولئك ، وعلى قول أصحاب المصاحف : أولياء أولئك .
وأما نقطه على مذهب من أسقط الهمزة الأولى ، وحقق الهمزة الثانية ، فهو أن يعرى ما بعد الألف الأولى من علامة التحقيق والتسهيل ، وتجعل الهمزة الثانية نقطة بالصفراء في الألف الثانية ، وتجعل حركتها بعدها أو في الواو . وصورة ذلك كما ترى : " أوليا أولئك " ، " أوليا أولئك " .
وأما نقطه على مذهب من حقق الهمزة الأولى ، وسهل الهمزة الثانية ، فهو أن تجعل المحققة نقطة بالصفراء ، وحركتها أمامها ، بعد الألف الأولى . وتجعل المسهلة نقطة بالحمراء فقط في الألف الثانية أو في الواو ، على ما ذكرناه . وصورة ذلك كما ترى : " أولياء اولئك " ، و " أولياء اولئك " .
[ ص: 116 ] وأما نقطه على مذهب من سهل الأولى ، وحقق الثانية ؛ فهو أن تجعل المسهلة نقطة بالحمراء بعد الألف . وإن شاء الناقط جعلها واوا صغرى بالحمرة ، وأعراها من الحركة . وتجعل المحققة نقطة بالصفراء في الألف الثانية ، وحركتها أمامها أو في الواو . وصورة ذلك كما ترى: " أوليا أولئك " ، " أوليا أولئك " .
ومتى جعلت حركة الهمزة الثانية في حال تحقيقها أو تسهيلها ، بعد الهمزة أو في موضعها ، ولم تجعل في الواو ، جعل على الواو دارة صغرى ، علامة لزيادتها . وسنبين ذلك فيما بعد ، إن شاء الله .
* * *
وأما الأضرب الخمسة الباقية فاختلفت القراءة فيها على وجهين لا غير : منهم من يحقق الهمزتين معا . ومنهم من يحقق الأولى ، ويسهل الثانية .
فإذا نقط ذلك على مذهب أهل التحقيق جعلت الهمزتان معا نقطة بالصفراء ، الأولى منهما بعد الألف ، والثانية في الألف . وجعل مع كل واحدة منهما حركتها نقطة بالحمراء .
وإذا نقط على مذهب أهل التسهيل جعلت الهمزة الأولى نقطة بالصفراء بعد الألف في السطر ، وحركتها نقطة بالحمراء من فوقها إن كانت مفتوحة ، [ ص: 117 ] ومن تحتها إن كانت مكسورة ، وأمامها إن كانت مضمومة . وجعلت الهمزة المسهلة بعدها ، سواء أبدلت حرفا خالصا أو جعلت بين بين ، نقطة بالحمراء في رأس الألف إن كانت مفتوحة ، وتحتها إن كانت مكسورة ، وفي وسطها إن كانت مضمومة .
وصورة التحقيق كما ترى : السفهاء ألا ، من خطبة النساء أو ، من يشاء إلى ، شهداء إذ ، جاء أمة . وصورة التسهيل : " السفهاء الا " ، " من السماء او " ، " من يشاء الى " ، " شهداء اذ " ، " جاء امة " .
وقد روي عن من طريق ابن كثير عبد الوهاب بن فليح عن أصحابه عنه أنه يسهل الأولى ، ويحقق الثانية في بعض هذه المواضع . فإذا نقط ذلك على هذا المذهب جعل في موضع الهمزة المسهلة نقطة بالحمراء فقط .
وروي عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع القارئ أنه كان يسهل الهمزتين معا في الأضرب الثمانية . فإذا نقط ذلك على مذهبه جعلت الهمزتان معا نقطة بالحمراء فقط ، الأولى بعد الألف ، والثانية في رأس الألف إن كانت مفتوحة ، ومن تحتها إن كانت مكسورة ، وفي وسطها إن كانت مضمومة .
وأهل المدينة ، فيما روينا عن مصاحفهم ، ورأيناه فيها ، ينقطون الهمزتين في الأضرب الثمانية على التحقيق ، فيجعلونهما معا نقطتين بالصفراء . وكذلك وجدنا ذلك في مصاحف أهل بلدنا القديمة . وحدثنا أحمد بن عمر ، قال : نا محمد بن منير ، قال : نا عبد الله بن عيسى ، قال : نا : أن في مصاحف أهل قالون المدينة [ ص: 118 ] بالسوء إلا بهمزتين في الكتاب ، يعني في النقط ، وفي القراءة بهمزة واحدة . يريد وقبلها أو بعدها همزة أخرى مسهلة تنقط بالحمرة .
قال : والذي قدمناه أدل على حقيقة اللفظ ، وطريق القراءة ، وتخليص المذهب . وبالله التوفيق . أبو عمرو