[ ص: 2 ] باب
ذكر ، ومن نقطها أولا من السلف ، والسبب في ذلك المصاحف ، وكيف كانت عارية من النقط ، وخالية من الشكل
حدثنا فارس بن أحمد بن موسى المقرئ ، قال : ثنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عثمان ، قال : حدثنا الفضل بن شاذان ، قال : حدثنا محمد بن عيسى ، قال : حدثنا إبراهيم بن موسى ، قال : أخبرنا ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : سمعت الأوزاعي يقول : كان القرآن مجردا في المصاحف ، فأول ما أحدثوا فيه النقط على الياء والتاء ، وقالوا : لا بأس به ، هو نور له . ثم أحدثوا فيها نقطا عند منتهى الآي ، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم . يحيى بن أبي كثير
حدثنا فارس بن أحمد ، قال : ثنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا ، قال : ثنا أبو بكر الرازي أبو العباس المقرئ ، قال : حدثنا أحمد بن يزيد ، قال : ثنا العباس بن الوليد ، قال : ثنا فديك - من أهل قيسارية - قال : حدثنا ، قال : سمعت الأوزاعي يقول : بدؤوا فنقطوا ، ثم خمسوا ، ثم عشروا . قتادة
قال : هذا يدل على أن الصحابة وأكابر التابعين - رضوان الله عليهم - هم المبتدئون بالنقط ، ورسم الخموس والعشور ؛ لأن حكاية أبو عمرو لا تكون [ ص: 3 ] إلا عنهم ، إذ هو من التابعين . وقوله : " بدؤوا . . . " إلى آخره ؛ دليل على أن ذلك كان عن اتفاق من جماعتهم . وما اتفقوا عليه - أو أكثرهم - فلا شكول في صحته ، ولا حرج في استعماله . وإنما أخلى الصدر منهم المصاحف من ذلك ومن الشكل من حيث أرادوا الدلالة على بقاء السعة في اللغات ، والفسحة في القراءات التي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ بها ، والقراءة بما شاءت منها . فكان الأمر على ذلك إلى أن حدث في الناس ما أوجب نقطها وشكلها . قتادة
وذلك ما حدثناه محمد بن أحمد بن علي البغدادي ، قال : ثنا ، قال : ثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن القاسم الأنباري أبو عكرمة ، قال : قال العتبي : كتب معاوية - رضي الله عنه - إلى يطلب زياد عبيد الله ابنه ، فلما قدم عليه كلمه ، فوجده يلحن ، فرده إلى وكتب إليه كتابا يلومه فيه ، ويقول : أمثل زياد ، عبيد الله يضيع ؟ ! فبعث إلى زياد فقال : يا أبي الأسود ، ، إن هذه الحمراء قد كثرت ، وأفسدت من ألسن العرب ؛ فلو وضعت شيئا يصلح به الناس كلامهم ، ويعربون به كتاب الله تعالى ؟ فأبى ذلك أبا الأسود ، وكره إجابة أبو الأسود إلى ما سأل . زياد
فوجه رجلا ، فقال له : اقعد في طريق زياد ، فإذا مر بك ، فاقرأ شيئا من القرآن ، وتعمد اللحن فيه . ففعل ذلك . فلما مر به أبي الأسود ، رفع الرجل صوته ، فقال : أبو الأسود أن الله بريء من المشركين ورسوله . فاستعظم ذلك ، وقال : عز وجه الله أن يبرأ من رسوله . ثم رجع [ ص: 4 ] من فوره إلى أبو الأسود فقال : يا هذا ، قد أجبتك إلى ما سألت ، ورأيت أن أبدأ بإعراب القرآن ، فابعث إلي ثلاثين رجلا . فأحضرهم زياد ، ، فاختار منهم زياد عشرة ، ثم لم يزل يختار منهم ، حتى اختار رجلا من أبو الأسود عبد القيس ، فقال : خذ المصحف ، وصبغا يخالف لون المداد ، فإذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف ، وإذا ضممتهما فاجعل النقطة إلى جانب الحرف ، وإذا كسرتهما فاجعل النقطة في أسفله ، فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين .
فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره ، ثم وضع المختصر المنسوب إليه بعد ذلك .
[ ص: 5 ] أخبرنا يونس بن عبد الله ، قال : نا محمد بن يحيى ، قال : نا أحمد بن خالد ، قال : نا علي بن عبد العزيز ، قال : نا ، قال : نا القاسم بن سلام حجاج ، عن هارون ، عن محمد بن بشر ، عن يحيى بن يعمر ، وكان أول من نقط المصاحف .
أخبرنا عبد بن أحمد بن محمد في كتابه ، قال : نا أحمد بن عبدان ، قال : نا محمد بن سهل ، قال : نا محمد بن إسماعيل ، قال : قال حسين بن الوليد ، عن : أول من نقط المصحف هارون بن موسى يحيى بن يعمر .
أخبرنا خلف بن إبراهيم بن محمد المقرئ في الإجازة ، قال : نا محمد بن عبد الله [ ص: 6 ] الأصبهاني ، قال أخبرت عن أبي بكر محمد بن محمد بن الفضل التستري ، قال : نا محمد بن سهل بن عبد الجبار ، قال : نا أبو حاتم ، قال : قرأ يعقوب على سلام أبي المنذر ، وقرأ سلام على ، وقرأ أبي عمرو على أبو عمرو عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي ، وعلى نصر بن عاصم الليثي ، ونصر أول من نقط المصاحف ، وعشرها ، وخمسها .
قال : يحتمل أن يكون أبو عمرو يحيى ونصر أول من نقطاها للناس بالبصرة ، وأخذا ذلك عن ؛ إذ كان السابق إلى ذلك ، والمبتدئ به ، وهو الذي جعل الحركات والتنوين لا غير ، على ما تقدم في الخبر عنه . ثم جعل أبي الأسود الهمز والتشديد والروم والإشمام . وقفا الناس في ذلك أثرهما ، واتبعوا فيه سنتهما . وانتشر ذلك في سائر البلدان ، وظهر العمل به في كل عصر وأوان ، والحمد لله على كل حال . الخليل بن أحمد
حدثنا محمد بن علي ، قال : نا ، قال : نا أبي ، عن ابن الأنباري عمر بن شبة ، عن ، قال : سمعت الثوري يقول : أول من وضع النحو أبا عبيدة معمر بن المثنى ، ثم أبو الأسود الدؤلي ميمون الأقرن ، ثم عنبسة الفيل ، ثم عبد الله بن أبي إسحاق .
قال : وكل هؤلاء قد نقطوا ، وأخذ عنهم النقط ، وحفظ ، وضبط ، وقيد ، وعمل به ، واتبع فيه سنتهم ، واقتدي فيه بمذاهبهم . أبو عمرو
قال : لما وضع محمد بن يزيد المبرد النحو ، قال : ابغوا لي رجلا ، وليكن لقنا . فطلب الرجل ، فلم يوجد إلا في أبو الأسود الدؤلي عبد القيس ، فقال : إذا رأيتني لفظت بالحرف ، فضممت شفتي ، فاجعل أمام الحرف نقطة ؛ فإذا ضممت شفتي بغنة ، فاجعل نقطتين ؛ فإذا رأيتني قد كسرت شفتي [ ص: 7 ] فاجعل أسفل الحرف نقطة ؛ فإذا كسرت شفتي بغنة ، فاجعل نقطتين ؛ فإذا رأيت قد فتحت شفتي ، فاجعل على الحرف نقطة ؛ فإذا فتحت شفتي بغنة ، فاجعل نقطتين . قال أبو الأسود أبو العباس : فلذلك النقط بالبصرة في عبد القيس إلى اليوم .
قال : وأخذ عن أبي الأسود ميمون الأقرن ، وأخذ عن ميمون الأقرن . وزاد الخليل بن أحمد في ذلك ، فجعل على الحرف المشدد ثلاث شبهات ( ) ، وأخذه من أول شديد . فإذا كان خفيفا جعل عليه خاء ( خ ) ، وأخذه من أول خفيف . الخليل
وقال أبو الحسن بن كيسان : قال : الشكل الذي في الكتب من عمل محمد بن يزيد ، وهو مأخوذ من صور الحروف ؛ فالضمة واو صغيرة الصورة في أعلى الحرف ؛ لئلا تلتبس بالواو المكتوبة ، والكسرة ياء تحت الحرف ، والفتحة ألف مبطوحة فوق الحرف . الخليل
وقال أصل النقط أبو حاتم سهل بن محمد : لعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي ، معلم أخذه الناس عنه . قال : ويقال : أول من نقط المصاحف أبي عمرو بن العلاء ، نصر بن عاصم الليثي . قال : والنقط لأهل البصرة ، أخذه الناس كلهم عنهم ، حتى أهل المدينة . وكانوا ينقطون على غير هذا النقط ، فتركوه ونقطوا نقط أهل البصرة .
قال : هذا الذي قاله أبو عمرو أبو حاتم ، من أن أهل المدينة أخذوا النقط عن أهل البصرة ، صحيح . وذلك أن أحمد بن عمر القاضي حدثنا قال : ثنا محمد [ ص: 8 ] ابن أحمد بن منير ، قال : حدثنا عبد الله بن عيسى ، قال : ثنا قال : في مصاحف قالون المدينة بالسوء إلا بهمزتين في الكتاب . يعني نقطها . ألا ترى أن أهل المدينة لا يجمعون بين همزتين ، بل قد كان بعضهم - وهو - يسهلهما معا . وهي لغة أبو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ قريش . فدل ما استعملوه في نقط مصاحفهم من تحقيقهما وإثباتهما معا بالصفرة التي جعلوها لنقط الهمز المحقق ، خلافا لقراءة أئمتهم ومذهب سلفهم ، على أنهم أخذوا ذلك عن غيرهم ، وأنهم اتبعوا في ذلك أهل البصرة ، إذ كانوا المبتدئين بالنقط ، والسابقين إليه ، كما تقدم ذلك في الأخبار الواردة عن السلف .
ثم أخذ ذلك عن أهل المدينة عامة أهل المغرب من الأندلسيين وغيرهم ، ونقطوا به مصاحفهم ، وجمعوا بين الهمزتين ، وضموا ميمات الجمع . قال : أهل قالون المدينة يشكلون مصاحفهم برفع الميمات كلها ، وجعلوا النبرات بالصفرة ، والحركات نقطا بالحمرة ، ولم يخالفوهم في شيء جرى استعمالهم عليه من ذلك ومن غيره .
وقد تأملت مصاحفنا القديمة التي كتبت في زمان الغازي بن قيس صاحب ، وراوية نافع بن أبي نعيم ، فوجدت جميع ذلك مثبتا فيها ، مقيدا على حسب ما أثبت ، وهيئة ما يقيد في مصاحف أهل مالك بن أنس المدينة . وكذلك رأيت ذلك في سائر المصاحف العراقية والشامية . ونقاطهم على ذلك إلى اليوم ، وكذلك نقاط أهل مكة ، على أن سلفهم كانوا على غير ذلك . قال : [ ص: 9 ] رأيت في مصحف ابن أشته إسماعيل القسط ، إمام أهل مكة - الضمة فوق الحرف ، والفتحة قدام الحرف ، ضد ما عليه الناس .
قال : وأول من صنف النقط ، ورسمه في كتاب ، وذكر علله أبو عمرو ، ثم صنف ذلك بعده جماعة من النحويين والمقرئين ، وسلكوا فيه طريقه ، واتبعوا سنته ، واقتدوا بمذاهبه ، منهم : الخليل بن أحمد أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي ، وابنه أبو عبد الرحمن عبد الله بن أبي محمد ، وأبو حاتم سهل بن محمد السجستاني ، وأبو عبد الله محمد بن عيسى الأصبهاني ، وأبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي ، وأبو بكر أحمد بن موسى بن مجاهد ، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن أشته ، وأبو الحسن علي بن محمد بن بشر مقرئ أهل بلدنا ، وجماعة غيره غير هؤلاء .
وممن اشتهر من المتقدمين بالنقط ، واقتدي به فيه من المدنيين : ، راوية عيسى بن مينا قالون ، ومقرئ أهل نافع المدينة . ومن البصريين : بشار بن أيوب أستاذ ، يعقوب بن إسحاق الحضرمي ومعلى بن عيسى صاحب الجحدري . ومن الكوفيين : صالح بن عاصم الناقط صاحب ومن الأندلسيين : الكسائي . حكيم بن عمران صاحب الغازي بن قيس . وسنأتي بجميع ما روي لنا من اتفاقهم واختلافهم بعلله ومعانيه في مواضعه ، إن شاء الله ، وبالله التوفيق ، وعليه التكلان .