[ ص: 84 ] باب
ذكر أحكام الصلات لألفات الوصل
اعلم أن ما قبل ألف الوصل يتحرك بالحركات الثلاث : بالفتح والكسر والضم . فإذا وصل الساكن الذي بعدها بهن ؛ سقطت من اللفظ لأجلهن . فإذا تحرك ما قبلها بالفتح ؛ جعل على رأسها جرة لطيفة ؛ دلالة على انفتاح ما قبلها ، وعلى سقوطها من اللفظ . وذلك نحو قوله : تتقون الذي ، و فاسقون اعلموا ، و هارون اخلفني ، و من الله ، وشبهه . وإن تحرك بالكسر ؛ جعلت الجرة تحتها ، دلالة على انكسار ما قبلها . وذلك نحو قوله : رب العالمين الرحمن الرحيم ، و فإن استطعت ، و للإنسان اكفر ، وشبهه . وإن تحرك بالضم ؛ جعلت الجرة في وسطها ، دلالة على انضمام ما قبلها . وذلك في نحو قوله : " اشتروا الضلالة " ، و نستعين اهدنا ، و على ألا تعدلوا اعدلوا ، و يا أيها الناس اعبدوا ، وشبهه . وسواء كانت الحركات الثلاث لوازم أو عوارض [ ص: 85 ] فإن لحقهن تنوين ؛ جعلت علامته مع الحركة نقطتين ، فوق الحرف في حال النصب ، وتحته في حال الخفض ، وأمامه في حال الرفع . وجعلت الجرة أبدا مع ذلك تحت ألف الوصل ؛ لأن التنوين يكسر في ذلك ؛ لأجل سكونه وسكون ما بعد الألف . وذلك نحو قوله : " رحيما النبي " ، و " حسيبا الله " ، و " مريب الذي " ، و بغلام اسمه ، و " حكيم الطلاق " ، و " حكيم انفروا " ، وشبهه .
وهذا ما لم يأت بعد الساكن الذي اجتلبت همزة الوصل للابتداء به ضمة لازمة . فإن أتت بعده فالقراء مختلفون في تحريك التنوين قبل الساكن في ذلك . فمنهم من يكسره للساكنين كسائر ما تقدم . ومنهم من يضمه إتباعا للضمة التي بعد الساكن ، ودلالة على أن ألف الوصل الفاصلة بينهما في الخط تبتدأ بالضم لا غير . وذلك نحو قوله : " فتيلا انظر " ، و " مبين اقتلوا " ، و " عيون ادخلوها " ، وشبهه . فعلى مذهب من كسر تجعل الجرة تحت الألف كما تقدم . وعلى مذهب من ضم تجعل في وسطها . ليدل بذلك على المذهبين من الكسر والضم .
* * *
وأهل النقط يسمون هذه الجرة صلة ؛ لأن الكلام الذي قبل الألف التي هي علامته يوصل بالذي بعده ، فيتصلان ، وتذهب هي من اللفظ بذلك .
[ ص: 86 ] وإنما جعلها نقاط أهل بلدنا قديما وحديثا جرة كالجرة التي هي علامة السكون ، من حيث اجتمعت ألف الوصل مع الساكن في عدم الحركة في حال الوصل . والنقط كما قدمنا مبني عليه ، فلذلك جمعوا بينهما في العلامة ، ولو جعل علامتها دارة صغرى لكان حسنا . وذلك من حيث كانت الدارة عند أهل المدينة ونقاطهم علامة للسكون ، وللحرف الساقط من اللفظ . وهذا من الأشياء اللطيفة التي تعزب حقائقها عن الفهماء ، فضلا عن الأغبياء .
فأما أهل المشرق فإنهم يخالفون أهل المغرب في ذلك ، فيجعلون صلة ألف الوصل في الكسر على رأس الألف أبدا ، ولا يعتبرون ما قبلها ولا ما بعدها من الحركات ، مع التنوين وغيره . ولا يجعلونها جرة ، بل يجعلونها دالا مقلوبة كالتي يحلق بها على الكلام الزائد في الكتب ؛ دلالة على سقوطه وزيادته . وقد يجر أيضا عليه . فتقتضي الجرة التي يستعملها أهل بلدنا المعنى الذي اقتضته الدال المقلوبة من الزيادة والسقوط .
ومذهب أهل بلدنا أوجه ؛ لما فيه مع ذلك من البيان عن كيفية الحركات ، وحال التنوين قبلها ، في حال الوصل .
* * *
وقد جرى استعمال نقاط بلدنا على الدلالة على كيفية الابتداء بهمزة الوصل ؛ لاضطرار القارئ إلى معرفة ذلك إذا هو قطع على الكلمة التي قبلها ، فيجعلون فوق الألف نقطة بالخضراء أو باللازورد ؛ فرقا بين حركتها التي لا توجد إلا في حال الابتداء فقط ، وبين حركات الهمزات وسائر الحروف اللائي يثبتن في الحالين ، من الوصل والابتداء ، ويجعلن نقطا بالحمرة . وذلك إذا ابتدئت بالفتح . فإن ابتدئت بالكسر جعلوا تلك النقطة تحت الألف . وإن ابتدئت بالضم جعلوها أمامها .
[ ص: 87 ] ونقاط أهل المشرق لا يفعلون ذلك .
ورأيت في مصحف كتبه ونقطه حكيم بن عمران الناقط - ناقط أهل الأندلس - في سنة سبع وعشرين ومئتين ، الحركات نقطا بالحمرة ، والهمزات بالصفرة ، وألفات الوصل المبتدأ بهن بالخضرة ، والصلات والسكون والتشديد بقلم دقيق بالحمرة ، على نحو ما حكيناه عن نقاط أهل بلدنا ، والصلة فوق الألف إذا انفتح ما قبلها ، وتحتها إذا انكسر ما قبلها ، وفي وسطها إذا انضم ما قبلها ، والألفات المحذوفات من الرسم اختصارا مثبتات بالحمرة ، وعلى الحروف الزوائد ، والحروف المخففة نحو " أنا " ، و " لأوضعوا " ، و أفإين مت ، و أولئك ، و أمن هو قانت ، وشبهه ، دارة صغرى بالحمرة ، على ما رويناه عن أهل المدينة ، وما جرى عليه استعمال أهل بلدنا .
ووصل إلي مصحف جامع عتيق كتب في أول خلافة سنة عشر ومئة ، كان تاريخه في آخره ، كتبه مغيرة بن مينا ، في رجب سنة مئة وعشر . وفيه الحركات والهمزات والتنوين والتشديد نقط بالحمرة ، على ما رويناه عن السالفين من نقاط أهل المشرق . هشام بن عبد الملك
فصل
وإن نقط مصحف على قراءة من رواية نافع عنه ؛ جعل على الساكن [ ص: 88 ] الذي يلقى عليه حركة الهمزة المبتدأة نقطة بالحمراء . فإن كانت تلك الحركة فتحة جعلت النقطة فوق الحرف الساكن ؛ لأنه متحرك بها . وإن كانت كسرة جعلت النقطة تحته . وإن كانت ضمة جعلت النقطة أمامه ، وجعل في موضع الهمزة جرة ، علامة لسقوطها من اللفظ كسقوط همزة الوصل منه . فإن كانت الهمزة مفتوحة جعلت الجرة في أعلى الألف التي هي صورتها ، وإن كانت مكسورة جعلت الجرة تحتها ، وإن كانت مضمومة جعلت الجرة في وسطها ، دلالة على كيفية حركتها المنقولة إلى الحرف الساكن قبلها . وذلك في نحو قوله : " هل اتاك " ، و " قد افلح " ، و " من اتى الله " ، و " قل تعالوا اتل " ، و " من اله " ، و " من استبرق " ، و " اذكر اسماعيل " ، و " إذا خلوا الى " ، و " قالت اولاهم " ، و " قالت اخراهم " ، و " فمن اوتي " ، و " ذواتي اكل " ، و " من اولئكم " ، وشبهه . ورش
فإن كان بعد الهمزة المنقول حركتها إلى الساكن ألف ، سواء كانت مبدلة من همزة أو غير مبدلة ، وذلك نحو قوله : " من امن " ، و " لقد اتيناك " ، [ ص: 89 ] و " نبأ ابني ادم " ، و " كل اتوه " ، وشبهه ؛ جعلت الصلة في موضع الهمزة عن يمين الألف . وبعض أهل بلدنا يجعل على رأس الألف علامة السكون ؛ ليدل بذلك على أن بعد الهمزة المنقول حركتها إلى الساكن ألف ، بخلاف ما تقدم من النوع الذي لا ألف بعد الهمزة فيه . وذلك حسن . وإن أعريت الألف المصورة من ذلك فحسن أيضا ؛ لأن في وقوع الصلة التي هي دليل الهمزة قبل الألف دليل على ذلك . وبالله التوفيق .