فصل
وأما الشر، فليس هو إلا الذنوب وعقوباتها.
ولهذا كان في خطبة الحاجة المشهورة: «الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا».
فاستعاذ من شر النفوس، ومن سيئات الأعمال، وهي عقوبات الأعمال، أو السيئات من الأعمال، الأول كقول الملائكة: وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته [غافر: 9].
والمقصود أن فإن المصائب إذا اقترن بها طاعة الله كانت من أعظم النعم، كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل ما سوى الذنوب وعقوباتها فهو نعمة؛ «والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له».
فإذا كان العبد صبارا شكورا فجميع ما يصيبه خير له، والخير هو [ ص: 384 ] النعمة، فالضراء مع الصبر نعمة، كما أن السراء مع الشكر نعمة، وذلك خير للعبد.
والذنب إذا حصل منه توبة نصوح كان المجموع من أعظم نعم الله على العبد؛ فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وهو سبحانه أشد فرحا بتوبة عبده من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في أرض مهلكة إذا وجدها بعد اليأس، فالله أشد فرحا بتوبة عبده من فرح هذا براحلته.
وقد قال طائفة من السلف، «إن العبد ليفعل الحسنة فيدخل بها النار، ويفعل الذنب فيدخل به الجنة؛ يفعل الحسنة فيعجب بها، فلا يزال إعجابه حتى يهلكه، ويفعل الذنوب فيتوب منها ويخشع ويخاف، فلا يزال خوفه وخشوعه حتى يدخله الجنة». كسعيد بن جبير:
ولهذه الحكمة ابتلي بالذنب من ابتلي من كبار عباد الله، حتى قال بعض الناس: «لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه ما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه». [ ص: 385 ]
وحينئذ، فالمذنب التائب الذي يبوء بنعمته، ويبوء بذنبه، يحمده حمدا مطلقا على كل موجود من ذنوبه وغيرها.
وأيضا، فمن شهد ابتلاءه بالذنب، فحمد الله على خلقه، مسلما لحكمته، مع اعترافه بظلم نفسه، واحتياجه لرحمة ربه عز وجل....