[ ص: 31 ] فصل
في الفرق بين ما أمر الله تعالى به ورسوله
من إخلاص الدين لله وشريعته، وبين ما نهى عنه
من الإشراك والبدع في زيارة القبور ونحو ذلك
[ ص: 33 ] الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على
محمد وآله أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فهذا فصل في الفرق بين ما أمر الله تعالى به ورسوله من إخلاص الدين لله وشريعته، وبين ما نهى عنه من الإشراك والبدع في زيارة القبور ونحو ذلك، فنقول:
nindex.php?page=treesubj&link=2319_2318زيارة القبور جائزة، سواء كان الميت مسلما أو كافرا، لكن يفرق بينهما في الزيارة، فأما الكافر فيزار قبره ليذكر الموت، ولا يجوز الاستغفار له ولا الدعاء له بالرحمة ونحو ذلك، لما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=73852 "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكر الآخرة". وثبت عنه في الصحيح أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=73853 "استأذنت ربي في أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي. فزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة".
وقد زار أمه في ألف مقنع عام فتح
مكة، فبكى وأبكى من حوله، وقد كانت أمه ماتت كافرة في الجاهلية قبل أن يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وكذلك في الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=651272أنه حضر عمه أبا طالب حين موته، وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال: "يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله"، فقالا: يا أبا طالب! أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك"، فأنزل الله تعالى:
[ ص: 34 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم . وذلك أن بعض المسلمين احتج بأن
إبراهيم وعد أباه بالاستغفار، واستغفر له بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=41ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ، فأجاب الله عن ذلك، وأمرنا أن نتأسى
بإبراهيم في موعده بالاستغفار لأبيه، فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك الآيات . فذكر سبحانه أن المؤمنين لهم أسوة حسنة في
إبراهيم والمؤمنين معه إذ تبرءوا من المشركين وما يعبدون من دون الله، إلا في هذا القول الذي قاله
إبراهيم لأبيه، فإنهم ليس لهم في ذلك أسوة.
[ ص: 31 ] فَصْلٌ
فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَسُولُهُ
مِنْ إِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ وَشَرِيعَتِهِ، وَبَيْنَ مَا نَهَى عَنْهُ
مِنَ الْإِشْرَاكِ وَالْبِدَعِ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
[ ص: 33 ] الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ، فَهَذَا فَصْلٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَسُولُهُ مِنْ إِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ وَشَرِيعَتِهِ، وَبَيْنَ مَا نَهَى عَنْهُ مِنَ الْإِشْرَاكِ وَالْبِدَعِ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَنَقُولُ:
nindex.php?page=treesubj&link=2319_2318زِيَارَةُ الْقُبُورِ جَائِزَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، لَكِنْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الزِّيَارَةِ، فَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُزَارُ قَبْرُهُ لِيُذَكَّرَ الْمَوْتُ، وَلَا يَجُوزَ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَلَا الدُّعَاءُ لَهُ بِالرَّحْمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=73852 "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ". وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=73853 "اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَ أُمِّي فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِي. فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ".
وَقَدْ زَارَ أُمَّهُ فِي أَلْفٍ مُقْنِعٍ عَامَ فَتْحِ
مَكَّةَ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، وَقَدْ كَانَتْ أُمُّهُ مَاتَتْ كَافِرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=651272أَنَّهُ حَضَرَ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ حِينَ مَوْتِهِ، وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ: "يَا عَمِّ! قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ"، فَقَالَا: يَا أَبَا طَالِبٍ! أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ: "لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
[ ص: 34 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ . وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ احْتَجَّ بِأَنَّ
إِبْرَاهِيمَ وَعَدَ أَبَاهُ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=41رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ، فَأَجَابَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَتَأَسَّى
بِإِبْرَاهِيمَ فِي مَوْعِدِهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَبِيهِ، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ الْآيَاتِ . فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي
إِبْرَاهِيمَ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ إِذْ تَبَرَّءُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، إِلَّا فِي هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ
إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ، فَإِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أُسْوَةٌ.