وكذلك ما يتعلق بالنذور والمساجد والمشاهد، فإن الله في كتابه وسنة نبيه التي نقلها السابقون والتابعون من أهل بيته وغيرهم قد ونهى عن أمر بعمارة المساجد، وإقامة الصلوات فيها بحسب الإمكان، ولعن من يفعل ذلك. قال الله تعالى: [ ص: 101 ] بناء المساجد على القبور،
إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين .
وقال تعالى: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين .
وقال تعالى: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال وقال: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا .
وقال: ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: . "من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة"
وقال: . [ ص: 102 ] "بشر المشائين في ظلم الليل إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"
وقال: . "من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له نزلا كلما غدا أو راح"
وقال: . "صلاة الرجل في المسجد تفضل على صلاته في بيته وسوقه بخمس وعشرين درجة"
وقال: . "من تطهر في بيته فأحسن الطهور، وخرج إلى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، كانت خطوتاه إحداهما ترفع درجة، والأخرى تضع خطيئة"
وقال: . "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر كان أحب إلى الله"
وقال: . [ ص: 103 ] "سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها، ثم اجعلوا صلاتكم معهم نافلة"
وقال: . "يصلون لكم، فإن أحسنوا فلكم، وإن أساءوا فلكم وعليهم"
وهذا باب واسع جدا.
وقال أيضا: يحذر ما فعلوا . قالوا: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجدا ، وهذا قاله في مرضه. "لعن الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
وقال قبل موته بخمس: . "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"
ولما ذكر كنيسة الحبشة قال: . "أولئك إذا مات الرجل فيهم بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة"
وكل هذه الأحاديث في الصحاح المشاهير.
وقال أيضا: رواه "لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج". وغيره ، وقال: حديث حسن. [ ص: 104 ] الترمذي
فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد لعن الذين يتخذون على القبور المساجد، ويسرجون عليها الضوء، فكيف يستحل مسلم أن يجعل هذا طاعة وقربة؟
وفي صحيح عن أمير المؤمنين مسلم رضي الله عنه قال: علي بن أبي طالب بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرني أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته، ولا تمثالا إلا طمسته".
وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: . "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد"
وقال: . "لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا علي حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني"
فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاجتماع عند قبره، وأمر بالصلاة عليه في جميع المواضع، فإن الصلاة عليه تصل إليه من جميع المواضع.
وهذه الأحاديث رواها أهل بيته، مثل عن أبيه عن جده علي بن الحسين ومثل علي، عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فكانوا هم وجيرانهم من علماء أهل المدينة ينهون عن البدع التي عند [ ص: 105 ] قبره أو قبر غيره، امتثالا لأمره متابعة لشريعته، فإن من مبدأ عبادة الأوثان: وإن كانت وقعت بغير ذلك. العكوف على قبور الأنبياء والصالحين والعكوف على تماثيلهم،
وقد ذكر الله في كتابه عن المشركين أنهم قالوا: لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا . وقد روى طائفة من علماء السلف أن هؤلاء كانوا قوما صالحين، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم . وكذلك قال في قوله: ابن عباس أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ، قال كان ابن عباس: اللات رجلا يلت السويق للحجاج، فلما مات عكفوا على قبره .
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ، ونهى أن يصلى عند قبره. ولهذا لما بنى المسلمون حجرته حرفوا مؤخرها وسنموه، لئلا يصلى إليه، فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد" رواه "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها"، . مسلم
وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج إلى أهل البقيع يسلم عليهم ويدعو لهم ، [ ص: 106 ] وعلم أصحابه أن يقولوا إذا زاروا القبور : "سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم اجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم".
هذا مع أن في البقيع إبراهيم وبناته أم كلثوم وسيدة نساء العالمين ورقية وكانت إحداهن دفنت فيه قديما قريبا من غزوة فاطمة، بدر، ومع ذلك فلم يحدث على أولئك السادة شيئا من هذه المنكرات، بل المشروع التحية لهم والدعاء بالاستغفار وغيره.