فعلم أن الزاني والشارب أبعد عن كون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما من هؤلاء التاركين للجهاد ، وإن كانوا يحبون الله ورسوله ، لكن لم يقل له : إنها أحب إليه مما سواهما ، ولا إنه متصف بذلك وقت الشرب ، فقد يتصف العبد بالأحبية في حال دون حال ، . ولا بد في الإيمان من أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
ومن هنا غلطت الجهمية والمرجئة; فإنهم جعلوا الإيمان من باب القول : إما قول القلب الذي هو علمه ، أو معنى غير العلم عند من يقول ذلك . وهذا قول الجهمية ومن تبعهم كأكثر الأشعرية ، وبعض متأخري الحنفية . وإما قول القلب واللسان كالقول المشهور عن المرجئة; ولم يجعلوا عمل القلب مثل حب الله ورسوله ومثل خوف الله من الإيمان ، فغلطوا في هذا الأصل .
وغلطوا غلطا آخر غلطت الجهمية فيه أعظم ، وهو أنهم ظنوا القلب يقوم به الإيمان قياما لا يظهر على الجوارح . فظنوا أن [الإنسان] يقوم بقلبه تصديق تام للرسول ، ومحبة تامة للرسول ، وهو مع هذا يشتمه ويلعنه ويضربه من غير إكراه ، فصاروا لا يجعلون شيئا من الأعمال الظاهرة مستلزما للكفر الباطن ، بل يقولون : نحن نحكم بكفره ظاهرا ، وقد يكون في الباطن من أولياء الله . [ ص: 247 ]
وغلطوا غلطة ثالثة فقالوا : كل من حكم الشارع بكفره في الظاهر فذلك دليل على أنه لم يكن مصدقا في الباطن .
وهذا مكابرة ظاهرة ، فصاروا يقولون : إن إبليس وفرعون وعلماء اليهود وأمثال هؤلاء هم في الباطن جاحدون لوجود الخالق لأنه ثبت أنهم ليسوا مؤمنين في الباطن . والإيمان عندهم مجرد علم القلب ، فاحتاجوا إلى نفي هذا .