وقال أيضا : ما أسهل العبادة بمكة ، النظر إلى البيت عبادة .
واحتج هؤلاء بما رواه عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ، وهو واقف بالحزورة في سوق مكة : رواه "والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله [إلى الله] ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" وهذا لفظه ، الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه ، وقال : حديث حسن صحيح . والترمذي
ورواه من حديث أحمد أيضا . وعن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ابن عباس . رواه "ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك" ، وقال : حديث حسن صحيح غريب . [ ص: 344 ] الترمذي
قالوا : فإذا كانت أحب البلاد إلى الله ورسوله ، ولولا ما وجب عليه من الهجرة لما كان يسكن إلا إياها ، علم أن المقام بها أفضل إذا لم يعارض ذلك مصلحة راجحة ، كما كان في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين; فإن مقامهم بالمدينة كان أفضل من مقامهم بمكة لأجل الهجرة والجهاد ، بل ذلك كان الواجب عليهم ، وكان مقامهم بمكة حراما حتى بعد الفتح ، وإنما رخص للمهاجر أن يقيم فيها ثلاثا . كما في الصحيحين عن العلاء بن الحضرمي بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص للمهاجر أن يقيم
وكان المهاجرون يكرهون أن يكونوا بها ، لكونهم هاجروا عنها وتركوها لله ، حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه ; ، وكان قد مرض سعد بن أبي وقاص بمكة في حجة الوداع فقال : يا رسول [الله] ! أخلف عن هجرتي ، فقال : "لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ، ويضر بك آخرون ، لكن البائس سعد بن خولة" يرثي له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن مات لما عاد بمكة .
ولهذا لما مات عبد الله بن عمر بمكة أوصى أن لا يدفن في الحرم ، بل يخرج إلى الحل لأجل ذلك ، لكنه كان يوما شديد الحر ، فخالفوا وصيته ، وكان قد توفي عام قدم ، فحاصر الحجاج وقتله لما كان من الفتنة بينه وبين ابن الزبير . [ ص: 345 ] عبد الملك بن مروان
قالوا : ولأن في المجاورة بها من تحصيل العبادات وتضعيفها ما لا يكون في بلد آخر ، فإن بالبيت لا يمكن إلا بمكة وهو من أفضل الأعمال ، ولأن الصلاة بها تضاعف هي وغيرها من الأعمال . وقد قال تعالى : الطواف وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود . روي أنه ينزل على البيت في كل يوم مئة وعشرون رحمة : ستون للطائفين ، وأربعون للمصلين ، [وعشرون للناظرين] .
ولهذا قال العلماء : إن بمكة أفضل من الصلاة بالثغر ، مع قولهم : إن المرابطة بالثغر أفضل وتضاعف السيئات فيه ، وإذا كان المكان دواعي الخير فيه أقوى ، ودواعي الشر فيه أضعف ، كان المقام فيه أفضل مما ليس كذلك . الصلاة