وأما الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين أهل الاجتهاد فإنهم يحتجون به على فساد العبادات والعقود بالنهي عنها، كما يفسدون نكاح الأمهات والأخوات وغيرهما من المحرمات.
ولهذا لما أفتى رجلا في تزوج بنت امرأته التي لم يدخل بها، واعتقد أنها كالربيبة، ثم قدم المدينة، فسأل ابن مسعود وغيره من [ ص: 248 ] الصحابة، فقالوا له: الشرط في الربائب دون الأمهات. فرجع عمر فأمر الذي كان أفتاه أن يفارق امرأته، لما علم أن هذا مما تناولته آية التحريم، وهو قوله: ابن مسعود، وأمهات نسائكم ، علم أن هذا العقد فاسد.
وكذلك سائر الصحابة والعلماء متفقون على الاستدلال على فساد هذه العقود بالنهي، وهذا في العبادات أظهر، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أن الذين قالوا: إن الطلاق المحرم يقع، قد احتج بعضهم بقوله تعالى: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا . قالوا: والمراد لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الولد، فدل ذلك على أنه طلقها بعد أن أصابها، وإلا فلو طلقها في طهر لم يصبها فيه لم تكن حاملا، ولو طلقها وقد استبان حملها لم يمكنها كتمان الحمل.
وهذه الحجة مما يعتمد عليها من يراها حجة قوية، وسنبين إن شاء الله أن هذه الآية حجة عليهم لا لهم، وممن ذكر ذلك في تفسيره، فقال بعد أن نصر أن الأقراء هي الحيض: وقد دلت هذه الآية على أن أبو علي الجبائي وذلك أن المطلق للسنة هو من طلق امرأته وهي طاهر من غير جماع، أو طلقها بعد أن تبين الحمل بها، والمطلقة إذا كانت طاهرا من غير جماع لا يجوز أن [ ص: 249 ] يظهر بها الحبل، فيحرم كتمانه، والتي قد ظهر بها الحبل لا يجوز أن تكتمه وتبينه من نفسها بعد الطلاق، وإن يكتم ذلك زوجها الذي طلقها علمنا أن هذه المطلقة الكاتمة لحبلها كانت طلقت بعدما جومعت في الطهر من غير أن يتبين بها حبل. وإذا كانت كذلك لم تكن في وقت سنة، وقد لزمها الطلاق مع ذلك بنص القرآن. الطلاق قد يلزم لغير السنة،
قال: وهذا يدل على بطلان مذهب الرافضة في قولهم: إن الطلاق لا يلزم إلا للسنة.