فصل
في المواقيت والجمع بين الصلاتين [ ص: 320 ] فصل
في المواقيت والجمع بين الصلاتين
أصل ذلك كما ثبت ذلك بالكتاب والسنة، أن الله أمر بالصلاة في مواقيتها، وجعل الصلوات خمس صلوات كما فرضها سبحانه على المؤمنين ليلة المعراج، وجعلها خمسا في العمل وخمسين في الأجر.
وقد ثبت في الصحيحين عن رضي الله عنها عائشة أن الصلاة فرضت أول ما فرضت ركعتين، فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر.
وروي فيه في الصحيح مكة إلى المدينة. وفي السنن عن أن صلاة الحضر جعلت أربعا لما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - من رضي الله عنه أنه قال: عمر بن الخطاب صلاة السفر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة النحر ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم.
ولهذا كان أصح قولي العلماء أن بل لو نوى أربعا كان السنة في حقه أن يصلي ركعتين. وهذا مذهب جمهور العلماء الفرض على المسافر ركعتان، وأن صلاته ركعتين لا يحتاج إلى النية، كمالك وأبي حنيفة على مقتضى نصوصه، وهو قول أكثر قدماء أصحابه وأحمد كأبي بكر عبد العزيز وغيره. وقال طائفة منهم كالخرقي وغيرهما: إنه يفتقر إلى النية، موافقة والقاضي أبي يعلى إذ كان أصله أن [ ص: 322 ] فرض السفر أربع، وإنما تصير ثنتين بالنية، وهؤلاء [لا] يكرهون الأربع، بل للشافعي، قول: إن الأربع أفضل، وحكي عنه قول إنه لا يجوز القصر إلا مع الخوف كقول بعض للشافعي الخوارج. لكن الأظهر أن هذا كذب على فإن الشافعي، أجل قدرا من أن يقول مثل هذا. الشافعي
وظاهر مذهبه أن القصر أفضل، وهو مذهب بلا خلاف عنه، بل قد نص أحمد على أن الأربع مكروهة، كما نقل ذلك عنه أحمد وتوقف أيضا في بعض أجوبته هل تجزئه الأربع. وما توقف فيه من المسائل يخرجه أصحابه على وجهين أيضا. ومذهبه في هذا كمذهب الأثرم، قيل: إن الإتمام لا يجوز، وقيل: يكره، وقيل: هو ترك الأولى. مالك،
وبالجملة فعامة العلماء على أنه ليس القصر كالجمع، كما تواترت بذلك سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه قد تواترت السنة على أنه إنما كان يصلي في السفر ركعتين في جميع أسفاره، وما روى عنه أحد من علماء الحديث أنه صلى في السفر أربعا قط. والحديث الذي يروى عن عائشة ضعيف، ولفظه أنه كان يصوم ويفطر ويقصر ويتم عائشة". فأخبرته أنها هي التي أتمت وصامت، مع أن هذا ضعيف بل كذب على أنها قالت: قلت له: أفطرت وصمت وقصرت وأتممت، فقال: "أحسنت يا كما ذكر في موضعه. عائشة،
بل من تتبع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم أنه من روى عنه أنه صلى أربعا في السفر فقد كذب عليه. ولما حج كان يصلي بمكة وبمنى ركعتين، [ ص: 323 ] ولما فتح مكة كان يصلي ركعتين، وأقام بها تسعة عشر يوما يصلي بها ركعتين، لأهل مكة: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر . وقال
وأما في حجة الوداع فكان يصلي بعرفة ومزدلفة ومنى ركعتين، ويصلي وراءه الحجاج من أهل مكة وغيرهم، ولم يقل لهم: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ولا روى ذلك أحد من أهل الحديث، ولكن ذكر ذلك بعض المصنفين في الرأي، واشتبه عليه قوله لهم بمكة في غزوة الفتح، فظن أنه قال في سفره بهم إلى عرفة ومزدلفة ومنى.
وكذلك ذكر بعضهم أن قال ذلك عمر بن الخطاب بمنى في حجه، وهذا خطأ رواه بعض العراقيين، والصواب الثابت الذي رواه وغيره أن مالك إنما قال ذلك عمر بمكة .
ولهذا كان أصح أقوال العلماء أن أهل مكة يقصرون ويجمعون بعرفة ومزدلفة، كما هو مذهب أكثر فقهاء مكة والمدينة، وهو مذهب وغيره وقول طائفة من أصحاب مالك أحمد في "العبادات الخمس". كأبي الخطاب
وقيل: يجمعون ولا يقصرون، كقول وهو المنقول عن أبي حنيفة، وقد أجاب بأنهم لا يقصرون، ولم ينههم عن الجمع. ولهذا جزم أحمد، أبو محمد وغيره من أصحاب أنهم يجمعون، وخطأ [ ص: 324 ] من قال: لا يجمعون، كما يقوله كثير من أصحاب أحمد الشافعي.
والقول الثالث: إنهم لا يقصرون ولا يجمعون، كما يقوله كثير من أصحاب وبعض أصحاب الشافعي وهو أضعف الأقوال المخالفة للسنة المعلومة من وجهين. أحمد.
والذين قالوا: يقصرون، منهم من قال ذلك لأجل النسك، كما قال وبعض أصحاب مالك ومنهم من قال ذلك لأجل السفر، كما قال ذلك كثير من السلف والخلف، وهو قول بعض أصحاب أحمد. وهو أصح الأقوال. أحمد،
وكذلك جمعهم، فإن من العلماء من قال: جمعهم لأجل النسك، كما يقوله وغيره فلم يجوز الجمع إلا أبو حنيفة بعرفة ومزدلفة خاصة.
والجمهور قالوا: بل الجمع كان لغير النسك، وهو مذهب مالك والشافعي وهؤلاء منهم من قال: الجمع كان لأجل السفر، ومن قال: الجمع يجوز وأحمد. لأهل مكة، [ومن] قال: يجوز ومن قال: لا يجوز الجمع إلا في الطويل. الجمع في السفر الطويل والقصير،
وهما وجهان في مذهب الشافعي وأحمد.
والصواب أن كل واحد من القصر والجمع لم يكن لأجل النسك، بل كان القصر لأجل السفر فقط، وأما الجمع فلأجل الحاجة أو المصلحة الشرعية، وذلك أن القصر يدور مع السفر وجودا وعدما، والقصر معلق به بالنص لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: وهو حديث حسن ثابت من رواية "إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة". أنس بن [ ص: 325 ] مالك الكعبي ، وكذلك أخبر عنه أصحابه، كقول عمر بن الخطاب: . وكذلك قال "صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - " ابن عمر: رواه "صلاة السفر ركعتان، من خالف السنة كفر" وغيره . ومعناه: من اعتقد أن الركعتين لا تجزئ فقد كفر، لأنه خالف السنة المعلومة، كما لو قال: إن الفجر لا تجزئ فيه ركعتان، وإن الجمعة والعيد لا تجزئ فيه ركعتان. وهذا يحكى عن بعض مسلم الخوارج الذين زعموا أنهم يتبعون ظاهر القرآن وإن خالفته السنة المتواترة. وهؤلاء ضالون في فهمهم للقرآن وضالون في مخالفة السنة.
وقوله: فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا لم يذكر فيها أنه قصر للعدد، والصحابة وغيره جعلوا عمر وهذا قاله صلاة المسافر ركعتين تماما غير قصر. بعد سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما ثبت في الصحيح عن عمر يعلى بن أمية عن هذه الآية عمر فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ، فقال عجبت مما عجبت منه، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته". عمر: فكأن المتعجب ظن أن القصر [ ص: 326 ] قصر العدد [و] أنه معلق بالسفر مع الخوف، كما ظن بعضهم أن الجنب لا يتيمم، وظن سأل أنه يتيمم عن الجنابة بالتمرغ في التراب كما تتمرغ الدابة، عمار وغيره من الصحابة أن التيمم يمسح فيه اليدين إلى الآباط، فلما سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بين لهم أنه يجزئ المسح إلى الكوعين وأن الجنب يتيمم كذلك عمار ، وكان ما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - موافقا لما دل عليه القرآن، لا يخالفه لا لباطنه ولا لظاهره، ولكن كل أحد منهم يفهم ما دل عليه القرآن، فقد يظهر له معنى يظن أن ظاهر القرآن دل عليه، ويكون من نقص فهمه لا من نقص دلالة القرآن. وظن