فصل
* وأما الدابة إذا ذبحت والغلصمة مما يلي البدن هل يحل أكلها؟
فالجواب: أن العلماء قد تنازعوا هل شرط التذكية قطع الودجين والحلقوم والمريء، أو قطع ثلاثة منها، أو قطع اثنين فقط، وهل تجزئ التذكية إذا كان الحلقوم مع البدن وقطعت العنق من فوقه؟
والأظهر أنه لا يشترط شيء من ذلك; فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط شيئا من ذلك ولا أوجبه، بل قال في الحديث المتفق على صحته: « فإذا جرى الدم من العنق ومات الحيوان بذلك، وقد سمى عليه الله أبيح، سواء كان القطع فوق الغلصمة أو دونها، وسواء قطع اثنين أو ثلاثة أو أربعة. ما أنهر [ ص: 107 ] الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر».
وتنازعوا أيضا فيما أصابه سبب الموت كأكيلة السبع، هل يشترط أن لا يتبين موتها بذلك السبب، أو أن تبقى معظم اليوم، أو أن تبقى فيها حياة مستقرة بقدر حياة المذبوح، أو أزيد من حياته، أو يمكن أن يزيد؟
والأظهر أنه لا يشترط شيء من ذلك، بل متى خرج منها الدم الذي لا يخرج إلا من الحي أبيحت، وهو الدم الأحمر، بخلاف الميت فإن دمه يجمد ويسود، وأما الأحمر الجاري فلا يخرج إلا من مذبوح كانت فيه حياة، لا يخرج من ميت قبل الذبح، بل الميت إذا مات وذبح لم يخرج منه دم أحمر، فهذا فرق معروف بين الحي والميت، وقد دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: « فاعتبر الأداة التي تنهر الدم، فعلم أن المناط إنهار الدم، وهو تفسير قوله تعالى: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه» إلا ما ذكيتم [المائدة: 3] ولم يقل: ما فرى الأوداج، وما قطع [ ص: 108 ] الحلقوم أو المريء، ولا غير ذلك، بل قال: « ما أنهر الدم»، ولو كان مع إنهار الدم يكون ميتا لم يحل بذلك حتى يعلم أنه حي بدليل آخر.
والفروق التي ذكرها من تقدمت أقواله، ليس على شيء منها دليل شرعي، ولا هو أيضا وصف ثابت في نفس الأمر معلوم للناس، فإن في المذبوحات ما يتحرك بعد الموت حركة عظيمة ويقوم ويمشي، وقد يقوم البدن بعد قطع الرأس يمسك قاتله، وقد يطير البدن بعد قطع رأسه إلى مكان آخر، فهذه حركات قوية، وهي من ميت مذبوح، وقد يذبح النائم في منامه فتتغير حركته حتى يموت، وكذلك المغمى عليه والسكران، فعلم أن الحركة لا تدل على الحياة الشرعية لا طردا ولا عكسا.