[ ص: 293 ] فصل في الأحاديث الواردة في الطلاق الثلاث [ ص: 294 ] [ ص: 295 ] والأحاديث في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فيها حديث ثابت يدل على وقوع الثلاث بكلمة واحدة، بل فيها في الصحيح والسنن ما يدل على أن الثلاث بكلمة واحدة لا تكون لازمة لكل من أوقعها.
مثل الحديث الذي في صحيح ومسند مسلم وسنن أحمد أبي داود وغيرهما عن والنسائي عن طاوس ابن عباس: وصدرا من خلافة وأبي بكر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أنا أنفذناه عليهم، فأنفذه عليهم. عمر: أن الطلاق كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -
وهذا الحديث بطرقه وألفاظه مذكور في غير هذا الموضع، والذي رواه كان يفتي بموجبه كما قد ذكر في غير هذا الموضع . طاوس
والمقصود هنا ركانة ، فإنه قد احتج به غير واحد من أهل العلم على وقوع الثلاث بكلمة واحدة، حيث قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أردت إلا واحدة؟ قال: ما أردت إلا واحدة. وعليه اعتمد حديث رضي الله عنه في هذه المسألة . الشافعي
وحديث ركانة هذا قد ضعفه طائفة كأحمد وأبي عبيد [ ص: 296 ] مع أنه رواه وابن حزم، في صحيحه . وقال ابن حبان : عمي ثقة، الشافعي وعبد الله بن علي بن السائب ثقة. وأما نافع بن عجير فروى عن وعن علي بن أبي طالب ركانة، وروى له أبو داود وهذا الإسناد مع الإسناد الآخر الذي رواه أيضا والنسائي. أبو داود وابن ماجه في صحيحه يوجب حسن الحديث، فإنهما إسنادان ليس فيهما متهم، لكن رواته ليسوا معروفين بالعلم، ولا يعرف لقاء بعضهم بعضا، كما سيأتي بيانه. وأبو حاتم
وفي الجملة لو لم يعارضه غيره لأمكن أن يقال هو حسن أو صحيح على طريقة بعضهم، وأما إذا عارضه ما هو أرجح منه فإنه يقدم الراجح. وقد يقال: إنه لم يعارضه غيره. وطائفة أخرى عارضوه بأنه قد روي فيه أنه طلقها ثلاثا. فأما إذا تدبرنا الروايات في هذا الباب وتتبعناها لم نجد بين الحديثين خلافا، بل في حديث الثلاث دلالة صريحة على أن الثلاث لا تقع بكلمة واحدة، ونحن نذكر ذلك.
قال في السنن : باب في نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث. حدثنا أبو داود أحمد بن محمد بن ثابت المروزي، حدثني عن أبيه، عن علي بن الحسين بن واقد، يزيد النحوي، عن عن عكرمة، ابن عباس: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن الآية [ ص: 297 ] وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا، فنسخ ذلك، فقال: الطلاق مرتان الآية.
قلت: هذا مروي عن وغير واحد من السلف . ثم ذكر عائشة حديث أبو داود فقال: حدثنا طاوس، أحمد بن صالح، ثنا عبد الرزاق ، أبنا أخبرني ابن جريج، ابن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم إنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وثلاث من إمارة عمر؟ قال ابن عباس: نعم.
وكأنه - والله أعلم - ذكره هنا لقول من قال: إن هذا الحديث منسوخ، وإنه كان هذا حكمه لما كان الطلاق بغير طلاق. أبو داود
وهذا من جملة ما حمل عليه هذا الحديث، وفي كلام إشارة إلى هذا. لكن من المعلوم أن ذلك المنسوخ لم يكن محصورا بثلاث، بل كان إذا طلقها أكثر من ثلاث راجعها بغير اختيارها، وكان إذا طلقها ثلاثا مفترقات، كل واحدة بعد رجعة أو عقد جديد، له أن يراجعها. وهذا هو المنسوخ بلا ريب، وأما كون الثلاث تجعل واحدة فهذا حكم غير الحكم المنسوخ، إذ المنسوخ لم تجعل الثلاث فيه واحدة، ولا كان الطلاق مقصورا على ثلاث، بل الثلاث والخمس والعشر والواحدة كانت فيه سواء. الشافعي
ثم إن ذلك المنسوخ لم يعمل به بعد نسخه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 298 ] ولا ولا خلافة أبي بكر بل قد نزل القرآن بأنها بعد الثالثة تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره، وتواترت بذلك السنة، وشاع ذلك في المسلمين. ولم يكن هذا من جنس تحريم عمر، الذي خفي على بعضهم، فإن هذا لم ينزل نسخه صريحا في القرآن، ولا ظهر أمره كظهور الطلاق الثلاث، فإن طلاق الرجل المرأة الطلقة الثالثة بعد ثنتين مما تكرر وقوعه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخليفتيه، مثل نكاح المتعة لما أرسل إليها زوجها فاطمة بنت قيس أبو حفص بن المغيرة بآخر ثلاث تطليقات، وكان قد ذهب مع إلى علي اليمن ، وكان هذا في آخر الأمر قريبا من حجة الوداع. وكذلك رفاعة القرظي تميمة بنت وهب، لما طلقها رفاعة، فأبت طلاقها بالثلاث، ونكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وجاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأله العود إلى رفاعة، فقال: "لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" . امرأة
وكلا القصتين مشهورة ثابتة في الصحيح والمساند والسنن من غير وجه، وهذا بخلاف سر المتعة. فلو كان أحد يمسك امرأته بعد الطلقة الثالثة لكان ذلك مما يظهر للمسلمين. وأما المتعة فلما حرمت تركها من علم التحريم، ومن لم يعلمه فعلها قليل منهم وهي تفعل سرا. ولم ينقل أحد أن أحدا بعد النسخ أمسك امرأته بعد ثلاث تطليقات، كل طلقة بعد رجعة أو عقد، ولا أنه طلق بغير عدد، مع [ ص: 299 ] أن الآثار التي فيها أن الطلاق كان بغير عدد آثار قليلة خفية لا يعلمها جمهور الناس، ولم يرو أهل الصحيح منها شيئا، وإنما رواها طائفة من أهل السنن والتفسير والفقه.