وأيضا فإن والشرع المذكور إذا كان تحريما للزيادة وإبطالا لها كان ذلك أبلغ في تحصيل مقصود الشارع في الحكم وفي حكمته، بخلاف ما إذا كان تعليلا لمجرد النهي. وهذا كما أنه لو نهى أن القرآن إنما يعلل شرع الله الذي شرعه لعباده، وقال: تنكح المرأة على عمتها وعلى خالتها، ، كان هذا [ ص: 319 ] تعليلا للنهي والفساد المنهي عنه بحيث لا يحل له الجمع، ولو جمع لكان العقد فاسدا، لأنه لو وقع المنهي عنه لزم الفساد، بل الفساد ينشأ من صحة المنهي عنه أكثر من فعله، فإنه إذا جمع ولم يصح العقد كان الفساد أقل منه إذا انعقد المنهي عنه وصححه الشارع، فكذلك هاهنا الفساد إذا صح المنهي عنه أكثر منه إذا فعله ولم يصح. "إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم"
وهذا يقرر أن النهي يوجب فساد المنهي عنه، فإن الشارع إنما نهى عن الشيء لرجحان المفسدة فيه على المصلحة، فإذا جعله صحيحا بحيث يترتب عليه حكمه ويحصل به مقصوده لزم وقوع المفسدة، فأما إذا أبطله فلم يترتب عليه مقصود المنهي الذي ارتكبه انتفت المفسدة بالكلية.
ولهذا إنما يحكم بالفساد فيما إذا أمكن أن لا يحصل به مقصوده، فأما الأفعال التي حصل المنهي عنها مقصوده بها فلا يقال إنها باطلة أو غير منعقدة، كالمنهي عن الزنا والسرقة وشرب الخمر، فإنه إذا فعل ذلك فقد فعل مقصوده من المنهي عنه، فلا يمكن إبطاله. وأما المنهي عن الصلاة بلا طهارة والطواف عريانا فمقصوده براءة ذمته وحصول الأجر، فيمكن إبطال ذلك بأن لا تبرأ ذمته ولا يحصل الأجر; وكذلك المنهي عن البيع المحرم والنكاح المحرم مقصوده حصول الملك وحل الانتفاع، فيمكن أن لا يحصل مقصوده من الملك وحل الانتفاع، فيكون البيع باطلا، كما اتفق عليه المسلمون من بطلان نكاح ذوات المحارم وبطلان بيع الدم والميتة ولحم الخنزير ونحو ذلك.