وأما إذا كان الأخذ يفضي إلى طمع فيه حتى يعاونه في معصية أو يمنع من طاعة ،  فتلك مفاسد أخرى ، وهي كثيرة ترجع إلى ذله وفقره لهم ، فإنهم لا يتمكنون من منعه من طاعة إلا إذا كان ذليلا لهم أو فقيرا  [ ص: 22 ] إليهم ، ولا يتمكنون من استعماله في المعصية إلا مع ذله أو فقره ، فإن العطاء يحتاج إلى جزاء ومقابلة ، فإذا لم يجعل مكافأة دنيوية من مال أو نفع لم يبق إلا ما ينتظر من المنفعة الصادرة منه إليهم   . 
وللرد وجوه مكروهة مذمومة : 
منها : الرد مرآة بالتشبه بمن يرد غنى وعزة ورحمة للناس في دينهم ودنياهم . 
ومنها : التكبر عليهم والاستعلاء ، حتى يستعبدهم ويستعلي عليهم بذلك ، فهذا مذموم أيضا . 
ومنها : البخل عليهم ، فإنه إذا أخذ منهم احتاج أن ينفعهم ويقضي حوائجهم ، فقد يترك الأخذ بخلا عليهم بالمنافع . 
ومنها : الكسل عن الإحسان إليهم . 
فهذه أربع مقاصد فاسدة في الرد للعطاء : الكبر والرياء والبخل والكسل   . 
فالحاصل أنه قد يترك قبول المال لجلب المنفعة لنفسه ، أو لدفع المضرة عنها ، أو لجلب المنفعة للناس ، أو دفع المضرة عنهم ، فإن في ترك أخذه غنى نفسه وعزها ، وهو منفعة لها ، وسلامة دينه ودنياه مما يترتب على القبول من أنواع المفاسد ، وفيه نفع الناس بإبقاء أموالهم ودينهم له ، ودفع الضرر المتولد عليهم إذا بذلوا بذلا قد يضرهم . وقد  [ ص: 23 ] يتركه لمضرة الناس أو لترك منفعتهم ، فهذا مذموم كما تقدم ، وقد يكون في الترك أيضا مضرة نفسه أو ترك منفعتها ، إما بأن يكون محتاجا إليه فيضره تركه ، أو يكون في أخذه وصرفه منفعة له في الدين والدنيا ، فيتركها من غير معارض مقاوم . ولهذا فصلت هذه المسألة ، فإنها مسألة عظيمة ، وبإزائها مسألة القبول أيضا ، وفيها التفصيل ، لكن الأحسن أن ترك الأخذ أجود من القبول ، ولهذا يعظم الناس هذا الجنس النزر ، وإذا صح الأخذ كان أفضل ، أعني الأخذ والصرف إلى الناس .  [ ص: 24 ] 
				
						
						
