( تتمة ) في بعض مناقب سيدنا الإمام وطرف من ترجمته لمناسبة ذكره في قول الناظم على نص أحمد . أحمد
أقول : هو الإمام المبجل أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان - بالمثناة تحت - بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكاب بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب - بكسر الهاء وإسكان النون وبعدها باء موحدة - ابن أفصى - بالفاء والصاد المهملة - ابن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدناء الشيباني المروذي البغدادي . هكذا ذكره الخطيب الحافظ أبو بكر البغدادي والبيهقي وغيرهم . قال وابن عساكر ابن عبد الدائم البرماوي : ; لأنه من الشيباني بني شيبان بفتح الشين المعجمة ابن ذهل بضم الذال المعجمة ابن ثعلبة كما نسبه ولده عبد الله واعتمده وغيره . وغلط الخطيب الخطيب عباسا الدوري وأبا بكر بن داود بن مأكولا [ ص: 299 ] في قولهما إنه من ذهل بن شيبان بن ثعلبة وقال وذهل من ثعلبة هو عم ذهل بن شيبان . قال الجوهري : وشيبان حي من بكر وهما شيبانان أحدهما شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، والآخر شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة ، وهو موافق لما قال . وقدم في المغني الخطيب ذهل على شيبان والصواب تقديم شيبان كما ذكرنا . حملت به أمه بمرو وولد ببغداد ونشأ بها وأقام بها إلى أن توفي ، ودخل مكة والمدينة والشام واليمن والكوفة والبصرة والجزيرة . وسمع سفيان بن عيينة وإبراهيم بن سعد ويحيى القطان وهشيما ووكيعا وابن علية وابن مهدي وخلائق كثيرين ذكرهم الحافظ وعبد الرزاق ابن الجوزي وغيره على حروف المعجم . وروى عنه عبد الرزاق ويحيى بن آدم وأبو الوليد وابن مهدي ويزيد بن هارون وعلي بن المديني والبخاري ومسلم وأبو داود وأبو زرعة الرازي والدمشقي وإبراهيم الحربي وأبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الأثرم وعبد الله بن محمد البغوي وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ومحمد بن إسحاق الصاغاني وأبو حاتم الرازي وأحمد بن أبي الحواري وموسى بن هارون وحنبل بن إسحاق وعثمان بن سعيد الدارمي وحجاج بن الشاعر وولداه والمروذي وخلائق كثيرون ذكرهم الحافظ ابن الجوزي في المناقب على حروف المعجم . واجتمع بالإمام ، وكل منهما أخذ عن الآخر ، ولم يرو الشافعي عنه في الصحيح سوى حديث واحد آخر الصدقات تعليقا . وقال البخاري الحازمي : إن روى عن الإمام البخاري حديثا ثانيا بواسطة أحمد . أحمد بن الحسن الترمذي
وفضائل الإمام رضوان الله عليه مشهورة ، ومناقبه مأثورة ، سارت بذكره الركبان ، وبلغ صيته كل قاص ودان ، وملأ ذكره الأمصار والبلدان . وكل إمام في علم رسول الله صلى الله عليه وسلم خضع له ودان . قال فيه الإمام أحمد رضي الله عنهما : خرجت من الشافعي بغداد وما خلفت بها أحدا أورع ولا أتقى ولا أفقه ولا أعلم من . [ ص: 300 ] وقال أحمد بن حنبل أبو زرعة لولد الإمام عبد الله : كان أبوك يحفظ ألف ألف حديث ، فقال له عبد الله وما يدريك ؟ فقال ذاكرته فأخذت عليه الأبواب . قلت : في ثمار منتهى العقول في منتهى النقول للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ما نصه : انتهى الحفظ لابن جرير الطبري فريد في علم التفسير ، وكان يحفظ كتبا حمل ثمانين بعيرا
. وحفظ في كل جمعة ألف كراس وحفظ ثلاثمائة ألف بيت من الشعر استشهادا للنحو . وكان الإمام ابن الأنباري يحفظ من مرة أو نظرة . الشافعي حفظ القرآن في ليلة واحدة . وابن سينا الحكيم وأبو زرعة كان يحفظ ألف ألف حديث . حفظ عشرها أي مائة ألف حديث . والكل من بعض محفوظ الإمام والبخاري رضي الله عنه انتهى . وذكر غير واحد من الحفاظ منهم أحمد بن حنبل ابن حجر العسقلاني أنه لم يحط أحد بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم غير الإمام . وهذه منقبة امتاز بها عن سائر هذه الأمة وعمن مضى ، وعمن بقي من الأئمة . أحمد بن حنبل
ولذا قال : يقول الناس إبراهيم الحربي بالتوهم والله ما أجد لأحد من التابعين عليه مزية ، ولا أعرف أحدا يقدر قدره ، ولا يعرف من الإسلام محله . قال : ولقد صحبته عشرين سنة صيفا وشتاء وحرا وبردا وليلا ونهارا فما لقيته في يوم إلا وهو زائد عليه بالأمس . ولقد كان يقدم أئمة العلماء من كل بلد وإمام كل مصر فهم بجلالتهم ما دام الرجل منهم خارجا من المسجد ، فإذا دخل المسجد ، صار غلاما متعلما أحمد بن حنبل
. وقال الحربي أيضا : قد رأيت رجالات الدنيا لم أر مثل ثلاثة وتعجز النساء أن تلد مثله ، ورأيت أحمد بن حنبل بشر بن الحارث من قرنه إلى قدمه مملوءا عقلا ، ورأيت كأنه جبل نفخ فيه علم . وقال أبا عبيد القاسم بن سلام عبد الوهاب الوراق : ما رأيت مثل . قالوا له : وأي شيء بان لك من فضله وعلمه على سائر من رأيت ؟ قال : رجل سئل عن ستين ألف مسألة فأجاب فيها بأن قال حدثنا وأخبرنا وروينا . قلت : وهذه كالأولى لا يعلم أحد من أئمة الدنيا فعلها . وقد سئل كثير من [ ص: 301 ] الأئمة عن معشار عشر ذلك فأحجم عن الجواب عن أكثرها أحمد بن حنبل
. وإلى هذا أشار الإمام الصرصري في لاميته بقوله :
حوى ألف ألف من أحاديث أسندت وأثبتها حفظا بقلب محصل أجاب على ستين ألف قضية
بأخبرنا لا من صحائف نقل وكان إماما في الحديث وحجة
لنقد صحيح ثابت ومعلل وكان إماما في كتاب وسنة
وعلم وزهد كامل وتوكل فمنهجه في الحق أقوم منهج
ومورده في الشرع أعذب منهل وهدد في القرآن بالسوط والظبا
فلم يخش من تهديد سوط ومنصل فما قال شيئا لم يقل متصديا
لنصر الهدى فردا على ألف جحفل ومن قال في دين الهدى متخرصا
بآرائه ما لم يقل لم يعدل فقد كان كالصديق في يوم ردة
وعثمان يوم الدار في الصبر إذ بلي وفي الضرب إذ حلت سراويله دعا
فما فارقت حقوي محق مسرول وسافر من بغداد من ورع إلى
خراسان في رد اليراع المسجل ومن ورع قد كان يطوي ثمانيا
مواصلة في عسكر المتوكل هو العلم المشهور لم يطو ذكره
ممات بل استعلى على كل معتل إمام عظيم كان لله حجة
على نفي تشبيه ودحض معطل
. وقال : ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قام قيل يا أحمد بن حنبل أبا الحسن ولا ؟ قال ولا أبو بكر الصديق ، إن أبو بكر الصديق كان له أعوان وأصحاب ، أبا بكر الصديق لم يكن له أعوان ولا أصحاب . وقال وأحمد بن حنبل : أبو عبيد القاسم بن سلام إمامنا إني لأتزين بذكره أحمد بن حنبل
. وقال : كنا عند أبو بكر الأثرم أبي عبيد وأنا أنظر رجلا عنده ، فقال الرجل من قال بهذه المسألة ؟ فقلت من ليس في شرق ولا غرب مثله ، قال من ؟ قلت . قال أحمد بن حنبل أبو عبيد صدق ليس في شرق ولا غرب [ ص: 302 ] مثله ، ما رأيت رجلا أعلم بالسنة منه . وقال رضي الله عنه : إسحاق بن راهويه حجة بين الله وبين عبيده في أرضه . وقال أحمد بن حنبل : ما رأت عيناي مثل أبو زرعة الرازي في العلم والزهد والفقه والمعرفة وكل خير ، ما رأت عيناي مثله . وقال أيضا : ما رأيت أحدا أجمع منه ، وما رأيت أحدا أكمل منه . وقال أحمد بن حنبل صاحب المزني : الشافعي أحمد بن حنبل أبو بكر يوم الردة ، يوم السقيفة ، وعمر وعثمان يوم الدار ، يوم وعلي صفين
. وقال : رأيت مائتي شيخ من مشايخ العلم فما رأيت مثل أبو داود السجستاني ، لم يخض في شيء مما يخوض فيه الناس ، فإذا ذكر العلم تكلم . وقال أحمد بن حنبل : إبراهيم الحربي في زمانه ، سعيد بن المسيب في زمانه وسفيان الثوري في زمانه . وقال وأحمد بن حنبل عبد الوهاب الوراق : لما قال النبي صلى الله عليه وسلم { } رددناه إلى فردوه إلى عالمه . وكان أعلم أهل زمانه ، ومناقبه كثيرة ومآثره شهيرة رضي الله تعالى عنه ، ونفعنا بمحبته . وقد صنف في مناقبه من المتقدمين والمتأخرين جماعة أحمد بن حنبل كابن منده ، ، وشيخ الإسلام والبيهقي الأنصاري ، وابن الجوزي ، ، وغيرهم . ومناقبه وإمامته ومآثره وسيادته وبراعته وزهادته وروايته ودرايته ومجموع محاسنه كالشمس إلا أنها لا تغرب رضي الله عنه وحشرنا في زمرته آمين . ولد رضوان الله عليه في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة ، وتوفي وابن ناصر ببغداد يوم الجمعة لنحو من ساعتين من النهار لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين ، فمدة حياته رضي الله عنه سبعة وسبعون سنة ، ووهم المناوي في أول شرح الجامع الصغير فقال سبع وثمانون ، فزاد على عمره عشر سنين ، وهو سبق بلا شك والله الموفق
. صنف المسند ثلاثين ألف حديث غير المكرر والتفسير مائة ألف [ ص: 303 ] وعشرين ألفا ، والناسخ والمنسوخ ، والتاريخ ، وحديث ، والزهد ، والمقدم والمؤخر في القرآن ، وجوابات القرآن ، والظاهر أنه للرد على الزنادقة ، والمناسك الكبير والصغير ، وأشياء أخر . شعبة
وكان رضي الله عنه شيخا وقورا كثير التواضع يحب الفقراء ، لم ير الفقير نفسه أعز منه في مجلس الإمام رضي الله عنه . وكان حسن الخلق ، دائم البشر ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ، يحب في الله ويبغض في الله ، وإذا أحب رجلا أحب له ما يحب لنفسه ، ويكره ما يكره لنفسه . وقال أحمد بن حنبل يزيد المنادي : كان الإمام من أحيا الناس وأكرمهم نفسا ، وأحسنهم عشرة وأدبا ، كثير الإطراق والغض ، معرضا عن القبيح واللغو ، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث والرجال والطرق وذكر الصالحين والزهاد ، في وقار وسكون ولفظ حسن . وإذا لقيه إنسان سر به وأقبل عليه ، وكان يتواضع تواضعا شديدا ، وكانوا يكرمونه ويعظمونه ويحبونه . وقال أبو عبد الله أحمد بن حنبل : كنا في مجلس الطبراني يعني بشر بن موسى ابن صالح الأسدي ومعنا الفقيه القاضي ، فخاضوا في ذكر أبو العباس بن سريج محمد بن جرير الطبري وأنه لم يدخل ذكر في كتابه الذي ألفه في اختلاف الفقهاء ، فقال أحمد بن حنبل : وهل أصول الفقه إلا ما كان يحسنه أبو العباس بن سريج ؟ حفظ آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعرفة بسنته واختلاف الصحابة والتابعين رضي الله عنهم . قلت : لم يبق بعدما ذكره أحمد بن حنبل ابن سريج رحمه الله تعالى سوى القياس والرأي ، وإنما يرجع إليه حيث لا نص ، رضي الله عنه قد أحاط علمه بالمنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ، فهو أجدر الأئمة بالصواب والله أعلم وأحمد
. ونحن والشافعية والمالكية متفقون على أنه لا يذهب إلى القياس مع وجود النص ، وإن اختلفا في الاحتجاج بأقوال الصحابة حيث لا يعارضها نص ، ولا مثلها فمذهبنا اتباع المنقول ، وتقديم خبر الرسول ، وأقوال الصحابة الفحول [ ص: 304 ] بالشروط المذكورة في الأصول على القياس والمعقول ، والله الموفق . وقال : حدثنا الخلال المروذي قال قال لي : ما كتبت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ، وقد عملت به حتى مر بي في الحديث { أحمد أبا طيبة دينارا } ، فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت . وقال أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحسين بن إسماعيل : سمعت أبي يقول : كان يجتمع في مجلس زهاء على خمسة آلاف ، ويزيدون أقل من خمسمائة يكتبون ، والباقي يتعلمون منه حسن الأدب وحسن السمت أحمد بن حنبل
. وقال ابن مفلح في الآداب : روي من غير طريق أن كتب من الشافعي مصر كتابا وأعطاه للربيع بن سلمان وقال : اذهب به إلى وأتني بالجواب ، فجاء به إليه ، فلما قرأه تغرغرت عيناه بالدموع . وكان أبي عبد الله أحمد بن حنبل ذكر فيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له : اكتب إلى الشافعي واقرأ عليه مني السلام وقل إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم يرفع الله لك علما إلى يوم القيامة . فقال له أبي عبد الله أحمد بن حنبل الربيع البشارة ، فأعطاه قميصه الذي يلي جسده وجواب الكتاب ، فقال له أي شيء دفع إليك ؟ قال القميص الذي يلي جسده ، قال ليس نفجعك به ، ولكن بله وادفع إلينا الماء حتى نشركك فيه . قال الشافعي الربيع فغسلته وحملت ماءه إليه فتركه في قنينة وكنت أراه كل يوم يأخذ منه فيمسح على وجهه تبركا رضي الله عنهم انتهى . وقد رويت هذه الحكاية من عدة طرق واشتهرت على ألسنة الخلق ، وتحلت بها الكتب المدونة ، واشتهرت في المحافل على الألسنة بأحمد بن حنبل
. وأنشد إسماعيل بن فلان الترمذي الإمام رضي الله عنه قصيدة له فيه وهو في السجن فمنها قوله : أحمد بن حنبل
إذا ميز الأشياء يوما وحصلوا من بين المشايخ جوهر فأحمد
إذا افتخر الأقوام يوما بسيد ففيه لنا والحمد لله مفخر
فيا أيها الساعي ليدرك شأوه رويدك عن إدراكه ستقصر [ ص: 305 ]
حمى نفسه الدنيا وقد سمحت له فمنزله إلا من القوت مقفر
فإن يك في الدنيا مقلا فإنه من الأدب المحمود والعلم مكثر
وقد روينا بالإسناد إلى بشر قال سمعت يقول : سئل المعافى بن عمران عن الفتوة ، فقال الفتوة العقل والحياء ، ورأسها الحافظ ، وزينتها الحلم والأدب ، وشرفها العلم والورع ، وحليتها المحافظة على الصلوات ، وبر الوالدين وصلة الرحم ، وبذل المعروف ، وحفظ الجار وترك التكبر ولزوم الجماعة والوقار وغض الطرف عن المحارم ولين الكلام وبذل السلام وأبر الفتيان العقلاء الذين عقلوا عن الله أمره ونهيه وصدق الحديث واجتناب الحلف وإظهار المودة وإطلاق الوجه وإكرام الجليس والإنصات للحديث وكتمان السر وستر العيوب وأداء الأمانة وترك الخيانة والوفاء بالعهد ، والصمت في المجالس من غير عي ، والتواضع من غير حاجة ، وإجلال الكبير ، والرفق بالصغير ، والرأفة والرحمة للمسكين ، والصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء وكمال الفتوة الخشية لله عز وجل فينبغي للفتى أن تكون فيه هذه الخصال ، فإذا كان كذلك كان فتى حقا . قال سفيان الثوري بشر : وكذلك كان فتى ; لأنه قد جمع هذه الخصال كلها . أحمد بن حنبل
( خاتمة ) ذكر ابن الجوزي وغيره من الأئمة أنه لما توفي الإمام رضوان الله عليه وجه أحمد ابن طاهر بمناديل فيها ثياب وطيب ، فقال الرسول لولده صالح : الأمير يقرئك السلام قد فعلت ما لو كان أمير المؤمنين حاضرا لكان فعله قال صالح فأرسلت إليه أن أمير المؤمنين قد كان أعفاه مما يكره ، وهذا مما يكره ، فعاد إليه الرسول يقول يكون شعاره ولا يكون دثاره ، فأعدت إليه مثل ذلك فرد ذلك ، ولم يقبله . وكانت جارية الإمام رضي الله عنه أعدت له ثوبا عشاريا من غزلها ، قدر بثمانية وعشرين درهما فقطعوه له لفافتين وأخذوا من فوران لفافة أخرى . [ ص: 306 ] قال ولده فأدرجناه في ثلاث لفائف واشترينا له حنوطا ، وحضره نحو من مائة من بني هاشم عند تكفينه ، فجعلوا يقبلون جبهته حين وضع على السرير . وأما الجمع الذي صلوا عليه فلم يسمع في الجاهلية والإسلام بمثله . قاله عبد الوهاب الوراق . وقد حزر الموضع مسحه على التصحيح فإذا هو نحو من ألف ألف ، وحزرنا على السور نحوا من ستين ألفا من النساء . وفي رواية فإذا هو ألف ألف وستمائة ألف سوى ما كان في السفن . وفي أخرى ألفي ألف وخمسمائة ألف . وقال عن والده : قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز . ويروى أنه لم تر جنازة مثلها إلا جنازة في عبد الله بن الإمام بني إسرائيل رضي الله عنه ووقع المأتم بسبب موته رضي الله عنه في أربعة أصناف من الناس ، المسلمين واليهود والنصارى والمجوس ، وأسلم يوم موته عشرون ألفا من اليهود والنصارى والمجوس . قلت : وقد روي أن جميع الجن حضرت جنازته إلا المردة . ذكره ابن الجوزي . ونعته الجن المؤمنون . وإلى ما ذكرنا أشار الصرصري رحمه الله في اللامية بقوله :
وعشرون ألفا أسلموا حين عاينوا جنازته من كل صنف مضلل
وصلى عليه ألف ألف موحد وستمئي ألف فأعظم وأكمل
فقد بان بعد الموت للناس فضله كما كان حيا فضله ظاهر جلي
أقر له بالفضل أعيان وقته وأثنوا عليه بالثناء المبجل