مطلب : : ولا تنكحن في الفقر إلا ضرورة ولذ بوجاء الصوم تهد وتهتد ( ولا تنكحن ) نهي مؤكد بالنون الخفيفة ( في الفقر ) وهو ضد الغنى لأن الفقر وإن كان شرفا في حد ذاته ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : { لا يتزوج الرجل الفقير إلا ضرورة } رواه اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا الترمذي ، وأن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام ، لكنه سلم يترقى به إلى الخوض في عرضه وعدم اكتراث الناس به وإعراضهم عنه ، وهو مظنة طموح نظر الزوجة إلى أرباب [ ص: 410 ] الأموال ، واستشراف نفسها إلى أهل البزة من الرجال ، ونبو نظرها عن بعلها الفقير وإن كان يعادل عند الله أضعاف أهل الغنى والنوال ، فلهذا حذر الناظم الحكيم والناصح لإخوانه على حسب ما منحه الخبير العليم ، من ( إلا ) إذا كان ذلك ( ضرورة ) أي لأجل الضرورة من خوف الزنا الذي هو من أقوى الأسباب الموجبة لدخول النار ، وغضب الجبار ، والحشر مع الأشقياء الفجار ، إلى دار البوار ، والذل والصغار ، أو من خوف دواعي الزنا أو نحو ذلك ، فإذا خاف ذلك تزوج حينئذ . النكاح في فقره
وينبغي أن يتحرى امرأة صالحة من بيت صالح يغلب على بيتها الفقر لترى ما يأتي به إليها كثيرا ، وليتزوج من مقاربه في السن ، وليتم نقصه بحسن الأخلاق وبذل البشاشة وحسن المعاشرة . وإنما نهى الناظم الفقير عن النكاح مع علمه بفضيلته ، وحث صاحب الشرع عليه في عدة أخبار صحيحة ، وآثار مريحة ; والأمر به في الكتاب القديم المنزل ، على النبي الكريم المرسل ; لأن الفقير إذا تزوج اشتغل باله بالنفقة وتحصيل المعاش ، وربما صار صاحب عيال فيضيق عليه الحال ولا يزال يحتال . فإذا لم يقدر على الحلال ترخص في تناول الشبهات ; فكان ذلك سببا لضعف دينه .
وربما مد يده إلى الحرام ، وارتكب الآثام ، فيكون ذلك سببا لهلاكه . وقد روى بإسناد حسن الطبراني عن والبيهقي أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { } هذا حديث مرسل . من كان موسرا لأن ينكح ثم لم ينكح فليس مني وأبو نجيح تابعي واسمه يسار بالياء المثناة تحت وهو والد عبد الله بن أبي نجيح المكي . فدل على أن الفقير لا يذم على عدم الزواج . فالمؤمن إذا علم ضعفه عن الكسب اجتهد في التعفف عن النكاح وتقليل النفقة ، لا سيما في هذا الزمان ، الذي فقدنا فيه المعين والإخوان .
فلا بيت مال منتظم ; ولا خليل صادق المودة في ماله نتوسع ونحتكم . فليس للفقير الذليل من صديق ولا خليل إلا الصبر الجميل والتوكل على الله فإنه حسبنا ونعم الوكيل .
وقد كان يتفقد أكابر العلماء . فقد بعث إلى الليث بن سعد بألف دينار . وإلى مالك بألف دينار . وأعطى ابن لهيعة عمار بن منصور ألف دينار [ ص: 411 ] وجارية بثلثمائة دينار . وما زال الزمان على هذا المنوال ; إلى أن آل الحال إلى انمحاق الرجال ; وصار أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع فالله المستعان .