واختلف فيه على عشرين قولا أصحها علم غير مشتق ، يقال إله كفعال بمعنى مألوه وكل ما اتخذ معبودا إله عند متخذه ، ولكن ليس هو إله في نفس الأمر فلا إله معبود بحق إلا الله الغني عن كل ما سواه ، المفتقر إليه كل ما عداه ، فهو فوق السماء السابعة وفوق الجنة ، وضوء الجنة من نور العرش ، والأخبار والآثار في العرش كثيرة جدا . والعرش جسم عظيم وهو سقف الجنة
وقد قال : أول ما خلق الله العرش ثم خلق الكرسي من نور يتلألأ [ ص: 40 ] وقيل أول ما خلق الماء ، ولعل المراد بعد نور النبي صلى الله عليه وسلم وإضافته إلى الإله في كلام وهب بن منبه الناظم كما في الأحاديث الصحاح { } إضافة مزيد تعظيم وتفخيم ، وإلا فلله ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما دون ذلك ما فوق السموات وتحت الأرض ( ينفعنا ) يحتمل أنه أراد نفسه وإخوانه من المسلمين لا سيما أهل مذهبه ، فتكون الكلمة على حقيقتها ، أو أراد نفسه فتكون ( نا ) للتعظيم ، والأول أليق بقاله وحاله والنفع ضد الضر ، والاسم المنفعة . لا إله إلا الله رب العرش العظيم
والنفع بها يكون بالعمل والاشتغال بها ويكون بما يحصل له من الثواب من أجل من قرأها وانتفع بها ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { } رواه إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : علم ينتفع به من بعده ، أو ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية في صحيحه . مسلم
وقد أوصل السيوطي إلى عشر ، وزاد شيخ مشايخنا من يجري عمله عليه بعد موته العلامة عبد الباقي الأثري الحنبلي عليها ثلاثة ، ونظمها السيوطي في أبيات فغير بعضها شيخ مشايخنا وزاد الأخيرين فقال :
إذا مات ابن آدم جاء يجري
عليه الأجر عد ثلاث عشر علوم بثها ودعاء نجل
وغرس النخل والصدقات تجري وراثة مصحف ورباط ثغر
وحفر البئر أو إجراء نهر وتعليم لقرآن كريم
شهيد في القتال لأجل بر كذا من سن صالحة ليقفى
فخذها من أحاديث بشعر
وقد ذكرت في كتابي القول العلي في شرح أثر الإمام علي من فضل العلم وتعلمه وتعليمه ما يكفي ويشفي ( بها ) أي بالجملة التي ينظمها من الأدب المأثور ، ولعل إله العرش ( ينزلنا ) معشر المسلمين سيما المعتنين بهذه الآداب المأثورة قراءة وكتابة وحفظا وإقراء وغير ذلك ( في ) يوم ( الحشر ) أي الجمع .
ويعني حشر الخلائق من قبورهم إلى الموقف حفاة عراة غرلا كما بدأهم الله سبحانه وتعالى أول مرة ، وتدنو الشمس منهم بقدر ميل ، ويشتد الزحام ، وتشخص الأبصار ، وتذهل كل والدة عن ولدها ، { وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد }
ففي مثل تلك الحالة المتحققة الوقوع لا محالة تظهر المزايا وتعظم [ ص: 41 ] الرزايا ، فطلب الناظم أن يكون هو وإخوانه ( في خير مقعد ) أي مكان القعود سالمين من هول الموقف وشدة الحساب ، منتظرين الإذن لدخول الجنة وفتح الأبواب ، فقد روى حرب في مسائله وهو من أجلاء أصحاب إمامنا رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال { } . يجمع الله تعالى العلماء يوم القيامة ثم يقول يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم إلا لعلمي بكم ولم أضع علمي فيكم لأعذبكم ، اذهبوا فقد غفرت لكم
قال الإمام ابن القيم في مفتاح دار السعادة : وهذا وإن كان غريبا فله شواهد حسان ، فقد ذكر عن ابن عبد البر عبد الله بن داود قال : إذا كان يوم القيامة عزل الله سبحانه العلماء عن الحساب فيقول ادخلوا الجنة على ما فيكم إني لم أجعل علمي فيكم إلا لخير أردته بكم .
قال : وزاد غيره في هذا الخبر أن الله يحبس العلماء يوم القيامة في زمرة واحدة حتى يقضى بين الناس ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يدعو العلماء فيقول يا معشر العلماء إني لم أضع حكمتي فيكم وأنا أريد أن أعذبكم ، قد علمت أنكم تخلطون من المعاصي ما يخلط غيركم فسترتها عليكم وغفرتها لكم ، وإنما كنت أعبد بفتياكم وتعليمكم عبادي ادخلوا الجنة بغير حساب ثم قال لا معطي لما منع الله ولا مانع لما أعطى الله . ابن عبد البر
قال : وروي نحو هذا المعنى بإسناد متصل مرفوع . وقال ابن عبد البر ابن القيم عن بعض السلف قال : بلغني أنه إذا كان يوم القيامة توضع حسنات الرجل في كفة وسيئاته في كفة فتسيل سيئاته ، فإذا أيس وظن أنها النار جاء شيء مثل السحاب حتى يقع مع حسناته فتسيل حسناته ، قال فيقال له أتعرف هذا من عملك ؟ فيقول لا ، فيقال هذا ما علمت الناس من الخير فعمل به من بعدك .