مطلب : في : وكن واصل الأرحام حتى لكاشح توفر في عمر ورزق وتسعد ( وكن ) أنت وهو خطاب لكل من يصلح له الخطاب ، من صلة الرحم أهل السنة والكتاب ، الذين لهم تمام الاقتداء بنبي الهدى والأصحاب ( واصل الأرحام ) جمع رحم وهو القرابة والصلة ضد القطيعة .
قال الله تعالى { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها . وقال تعالى { والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل } يعني من الرحم وغيرها .
وأخرج البخاري وغيرهما عن ومسلم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } . من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ; ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه . ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
وأخرج أبو يعلى بإسناد جيد عن رجل من خثعم قال { } . أتيت رسول الله ؟ صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه فقلت أنت الذي تزعم أنك رسول الله قال نعم ، قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال الإيمان بالله . قلت يا رسول الله ثم مه ؟ قال ثم صلة الرحم . قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أبغض إلى الله ؟ قال الإشراك بالله . قال قلت يا رسول الله ثم مه ؟ قل ثم قطيعة الرحم . قال قلت يا رسول الله ثم مه ؟ قال الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف
وأخرج البخاري وغيرهما عن ومسلم رضي الله عنه { أبي أيوب محمد أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار ، قال فكف النبي صلى الله عليه وسلم ثم نظر في أصحابه [ ص: 348 ] ثم قال لقد وفق أو لقد هدي . قال كيف قلت ؟ قال فأعادها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم . دع الناقة } وفي رواية { أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر ، فأخذ بخطام ناقته أو بذمامها ثم قال يا رسول الله أو يا } . وتصل ذا رحمك فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن تمسك بما أمرته دخل الجنة
وأخرجا أيضا عن رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { عائشة } . الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله
وأخرجا أيضا عن رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } ، زاد في رواية إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم { البيهقي فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } } قوله فأخذت بحقوي الرحمن ، قيل معناه الاستجارة والاعتصام بالله عز وجل ، يقال عذت بحقو فلان إذا استجرت به ، وقيل الحقو الإزار وإزاره عزه ، فلاذت الرحم بعزة الله تعالى من القطيعة . فأخذت بحقوي الرحمن ، فقال مه ، فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة . قال نعم ، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت بلى ، فقال فذلك لك . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا إن شئتم {
وقال العلامة الشيخ مرعي في أقاويل الثقات : الحقو هو ما تحت الخاصرة ويطلق على الإزار .
قال وقال لا أعلم أحدا من العلماء حمل الحقو على ظاهر مقتضاه في اللغة وإنما معناه اللياذ والاعتصام ، وتمثيلا له بفعل من اعتصم بحبل ذي عزة واستجار بذي ملكة وقدرة وقال الخطابي معناه عند أهل النظر أنها استجارت واعتصمت بالله كما تقول البيهقي العرب تعلقت بظل جناحه أي اعتصمت به .
وقال بعضهم : قوله فأخذت بحقوي الرحمن معناه فاستجارت بكنفي رحمته . والأصل في الحقو معقد الإزار . ولما كان من شأن المستجير أن يتمسك بحقوي المستجار به وهما جانباه الأيمن والأيسر استعير الأخذ بالحقو في اللياذ بالشيء . انتهى .
وأخرج بإسناد جيد قوي الإمام أحمد في صحيحه عن وابن حبان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { أبي هريرة } . الرحم [ ص: 349 ] شجنة من الرحمن تقول يا رب إني قطعت ، يا رب إني أسيء إلي ، يا رب إني ظلمت ، يا رب يا رب ، فيجيبها ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك
وأخرج أيضا بإسناد رواته ثقات الإمام أحمد عن والبزار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { سعيد بن زيد } قوله { إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق ، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن عز وجل ، فمن قطعها حرم الله عليه الجنة } قال شجنة من الرحمن أبو عبيد : يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق ، ومنها لغتان كسر الشين وضمها وإسكان الجيم .
وأخرج البزاز بإسناد حسن عن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أنس } قوله حجنة هي بفتح الحاء المهملة والجيم وتخفيف النون صنارة المغزل ، وهي الحديدة العقفاء التي يعلق بها الخيط ثم يفتل الغزل . الرحم حجنة متمسكة بالعرش تكلم بلسان ذلق اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ، فيقول الله تبارك وتعالى أنا الرحمن الرحيم وإني شققت الرحم من اسمي ، فمن وصلها وصلته ومن بتكها بتكته
وقوله بلسان ذلق . الذلق بالذال المعجمة كفرح ونصر وكرم أي حديد بليغ بين الذلاقة ، ولسان ذلق : طلق .
وقوله { } أي من قطعها قطعته . قول الناظم ( حتى لكاشح ) حتى حرف للغاية والتدريج أما الغاية فبأن يكون ما بعدها غاية لما قبلها في زيادة أو نقص ينقطع الحكم عندها ، وأما التدريج فبأن ينقضي ما قبلها شيئا فشيئا إلى أن يبلغ الغاية ، ولذا اعتبر في المعطوف أن يكون بعضا مما قبلها كما في قول الناظم حتى لكاشح ، فإن ذا الرحم الكاشح من ذوي رحمه ، إذ عداوته لا تخرجه عن كونه من ذوي رحمه أو منزلا منزلة البعض كما في قول الشاعر : من بتكها بتكته
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله
والزاد حتى نعله ألقاها
فالمراد الحث على صلة الرحم حتى على الكاشح وهو الذي يضمر عداوته في كشحه وهو خصره .
وأخرج الطبراني في صحيحه وابن خزيمة وقال على شرط والحاكم عن مسلم رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أم كلثوم بنت عقبة } يعني أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه وهو في معنى قوله صلى الله عليه وسلم { أفضل [ ص: 350 ] الصدقة على ذي الرحم الكاشح } . وتصل من قطعك
وأخرج بسند رجاله ثقات عن الإمام أحمد رضي الله عنه قال { عقبة بن عامر عقبة صل من قطعك ، وأعط من حرمك ، وأعرض عمن ظلمك . وفي لفظ واعف عمن ظلمك } . لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده فقلت يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال ، فقال يا
وأخرج عن الطبراني رضوان الله عليه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم { علي } . ألا أدلك عن أكرم أخلاق الدنيا والآخرة ، أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وأن تعفو عمن ظلمك
عن والطبراني معاذ بن أنس مرفوعا { } . ورواه أن أفضل الفضائل أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك ، وتصفح عمن شتمك عن البزار مرفوعا بلفظ { عبادة بن الصامت } . ورواه ألا أدلكم على ما يرفع به الدرجات ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال تحلم على من جهل عليك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك أيضا بلفظ { الطبراني } فذكره ، إلى غير ذلك من الأخبار النبوية . ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان ويرفع به الدرجات
فإن علمتها وعملت بموجبها ( توفر ) بالبناء للمفعول أي يوفرك الله تعالى . والتوفير بالفاء التكثير . قال في القاموس : وفره توفيرا أكثره كوفر له وفرا ووفره توفيرا أكمله وجعله وافرا والوفر الغني ومن المال والمتاع الكثير الواسع والعام من كل شيء .
ولذا قال ( في عمر ) يعني يبسط لك في عمرك وينسأ لك في أجلك ( ورزق ) وهو اسم لما يسوقه الله تعالى للحيوان فيأكله من حلال وحرام خلافا للمعتزلة في زعمهم أن الحرام ليس برزق ، ويلزمهم أن من أكل الحرام طول عمره لم يكن الله رازقه ، مع أنه لا رازق إلا الله تعالى وحده ، ولكن العبد يستحق الذم والعقاب على أكل الحرام لسوء مباشرة أسبابه باختياره ( وتسعد ) مجزوم في جواب الأمر ، يقال سعد كعلم فهو سعيد ، وأسعده الله فهو مسعود ، ولا يقال مسعد ، وأسعده أعانه ، ولبيك وسعديك أي إسعادا بعد إسعاد كما في القاموس .
وقال الحجاوي في لغة إقناعه : سعد فلان في دين أو دنيا يسعد سعدا من باب تعب ، والفاعل سعيد والجمع سعداء [ ص: 351 ] والسعادة اسم منه . انتهى .
والسعادة من الكلمات الجامعة للخيرات ، المشعرة في الدنيا بالسعة وفي الآخرة بعلو الدرجات .
وإنما وصف الناظم واصل الرحم بهذه الأوصاف ، وخصه بهذه المزايا ، لعدة أخبار نبوية صحت عن خير البرايا .
فأخرج البخاري وغيرهما عن ومسلم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أنس بن مالك } . من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه
قوله { ينسأ } بضم الياء المثناة تحت وتشديد السين المهملة مهموزا أي يؤخر له في أجله .
عن والبخاري مرفوعا { أبي هريرة } . ورواه من سره أن يبسط له في رزقه ، أو ينسأ له في أثره ، فليصل رحمه الترمذي بلفظ { } ومعنى منسأة في الأثر يعني به الزيادة في العمر . ومعنى مثراة في المال يعني به الزيادة في المال . تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة في المال ، منسأة في الأثر
وأخرج في زوائده عبد الله بن الإمام أحمد بإسناد جيد والبزار عن والحاكم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { علي بن أبي طالب } . من سره أن يمد له في عمره ، ويوسع له في رزقه ، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليتق الله ، وليصل رحمه
وأخرج بإسناد لا بأس به البزار وصححه عن والحاكم رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { ابن عباس } . مكتوب في التوراة من أحب أن يزاد في عمره ويزاد في رزقه فليصل رحمه
وأخرج بإسناد حسن الطبراني عن والحاكم رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } . إن الله ليعمر بالقوم الديار ، ويثمر لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضا لهم . قيل وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال بصلتهم أرحامهم
وأخرج ابن ماجه في صحيحه وابن حبان وقال صحيح الإسناد عن والحاكم رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ثوبان } . إن الرجل [ ص: 352 ] ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر
وروى عن الإمام أحمد مرفوعا { عائشة } . صلة الرحم ، وحسن الجوار ، وحسن الخلق ، يعمران الديار ، ويزيدان في الأعمار
وأخرج الطبراني في صحيحه عن وابن حبان رضي الله عنه قال { أبي ذر } . أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصال من الخير ، أوصاني أن لا أنظر إلى من هو فوقي ، وأن أنظر إلى من هو دوني ، وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم ، وأوصاني أن أصل رحمي ، وإن أدبرت ، وأوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم . وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرا . وأوصاني أن أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي عن رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { عبد الله بن عمرو بن العاص } إلى غير ذلك من الآثار والأخبار ، الواردة عن النبي المختار صلى الله عليه وسلم ما كر الليل والنهار . ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها