مطلب : في فضائل الخوف والرجاء .
واعلم أن لكل من الخوف والرجاء فضائل جمة ، وردت عن نبي الرحمة . فمما ورد عنه في ما في الصحيحين عن فضائل الخوف رضي الله عنه { أبي هريرة } . وفيهما عن قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه أيضا { أبي هريرة } . [ ص: 463 ] وفي رواية لهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رجل يسرف على نفسه ، لما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح ، والله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ، فلما مات فعل به ذلك ، فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك ففعلت فإذا هو قائم ، فقال ما حملك على ما صنعت ؟ قال خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغفر له } . وفي رواية لهما عن قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله : إذا أنا مت فحرقوه ثم ذروه نصفه في البر ونصفه في البحر ، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين . فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم ، فأمر الله البر فجمع ما فيه ، وأمر البحر أن يجمع ما فيه ، ثم قال لم فعلت هذا ؟ قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم ، فغفر الله تعالى له مرفوعا { أبي سعيد } أن رجلا كان قبلكم رغشه الله مالا ، فقال لبنيه لما حضر أي أب كنت لكم ؟ قالوا خير أب ، قال إني لم أعمل خيرا قط ، فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف ، ففعلوا ، فجمعه الله فقال ما حملك ؟ فقال مخافتك ، فتلقاه برحمته
قوله رغشه بفتح الراء والغين المعجمة بعدهما شين معجمة .
قال أبو عبيدة معناه أكثر له منه وبارك له فيه . وأخرج البيهقي والترمذي وحسنه عن رضي الله عنه مرفوعا { أنس } . يقول الله عز وجل أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام
في صحيحه عن وابن حبان رضي الله عنه { أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه جل وعلا أنه قال وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين ، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة } .
والترمذي وحسنه عن أيضا رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { أبي هريرة } قوله أدلج بسكون الدال المهملة إذا سار من أول الليل . ومعنى الحديث أن من خاف ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة ، والمبادرة بالأعمال الصالحة ، خوفا من القواطع والعوائق . من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة
وأخرج الحاكم وقال والبيهقي صحيح الإسناد عن الحاكم رضي الله عنه { سهل بن سعد الأنصار دخلته خشية الله فكان يبكي عند ذكر النار حتى حبسه ذلك في البيت ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه في البيت ، فلما دخل عليه اعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وخر ميتا . [ ص: 464 ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم جهزوا صاحبكم فإن الفرق فلذ كبده } . قوله فإن الفرق إلخ الفرق بفتح الفاء والراء هو الخوف . وفلذ كبده بفتح الفاء واللام وبالذال المعجمة قطعه . أن فتى من
وفي صحيح عن مسلم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } . لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد
وأخرج وقال صحيح الإسناد عن الحاكم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أبي الدرداء } قوله تجأرون بفتح المثناة فوق وإسكان الجيم بعدها همزة مفتوحة أي تضجون وتستغيثون . لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ، ولضحكتم قليلا ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله لا تدرون تنجون أو لا تنجون
وفي الصحيحين عن رضي الله عنه قال { أنس } وفي رواية { خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا . فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين } قوله ولهم خنين هو بفتح الخاء المعجمة بعدها نون البكاء مع غنة باستنشاق الصوت من الأنف . بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا . فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه غطوا رءوسهم ولهم خنين