مطلب : الموبقات السبع :
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن والنسائي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } وسيأتي الكلام على بعض ما يتعلق من الآفات كالكبر والحسد وغيرهما إن شاء الله تعالى . اجتنبوا السبع الموبقات ، قيل يا رسول الله وما هن ؟ قال الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات
ولما ذكر الناظم أن من طلب السلامة فعليه بحفظ جوارحه السبع عما نهى الله بدأ رحمه الله تعالى بذكر آفات أسرعها حركة وهو اللسان فقال : يكب الفتى في النار حصد لسانه وإرسال طرف المرء أنكى فقيد ( يكب ) أي يقلب ويصرع ، يقال كبه صرعه كأكبه وكبكبه فأكب ، وهو لازم ومتعد ( الفتى ) قال في القاموس : الفتى الشاب والسخي الكريم جمعه فتيان وفتوة ، والمراد هنا يكب الإنسان ( في النار ) المعهودة المعلومة وهي نار جهنم التي وقودها الناس والحجارة ، التي من دخلها خسر خسارة عظيمة وخابت منه الصفقة والتجارة ، وهي إحدى العظيمتين اللتين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا ينسيا .
أخرج أبو يعلى عن رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم { ابن عمر أنه خطب فقال لا تنسوا العظيمتين الجنة والنار ثم بكى حتى جرى أو بل دموعه جانبي لحيته ثم قال والذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم من الآخرة لمشيتم إلى الصعيد ولحثيتم على رءوسكم التراب } .
وروي عن رضي الله عنه قال { أنس وقودها الناس والحجارة } فقال أوقد عليها ألف عام حتى احمرت وألف عام حتى ابيضت ، وألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها } رواه تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { البيهقي والأصبهاني .
[ ص: 66 ] وأخرج مسلم والترمذي عن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن مسعود } . وأخرج يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها البخاري عن ومسلم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة آدم جزء واحد من سبعين جزءا من نار جهنم ، قالوا والله إن كانت لكافية ، قال إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها } ورواه الإمام ناركم هذه ما يوقد بنو أحمد في صحيحه وابن حبان وزادوا فيه { والبيهقي } . وصفات النار وأوديتها وجبالها وآبارها وحياتها وعقاربها وشررها وزقومها وزمهريرها وسائر ما فيها من الذي ذكره لنا النبي صلى الله عليه وسلم ودونه العلماء معلوم مفرد في كتب له . وضربت بالبحر مرتين ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد
وقد ذكرنا طرفا من ذلك شافيا وقسما وافيا في كتابنا ( البحور الزاخرة في علوم الآخرة ) وهو كتاب جليل المقدار ، اشتمل على الموت والبرزخ والمحشر والموقف والجنة والنار ، وغير ذلك من أحوال الآخرة وفيه من نفائس العلوم ، وجواهر المنطوق والمفهوم ، درر فاخرة ، ومن ثم سميناه بالبحور الزاخرة ، فإنه اسم يوافق مسماه ، ولفظه يطابق معناه .
وقد ألف الإمام ابن القيم في صفة الجنة كتابه حادي الأرواح ، إلى منازل الأفراح ، وألف الإمام الحافظ ابن رجب تلميذه كتابه ( صفة النار ، والتحذير من دار البوار ) وجل مقاصد كتابي البحور في البابين من الكتابين .
والنار أعظم من أن تذكر ، وأفخم من أن تحصر ، ولكن ذكرنا هذا ليحذر وأكثر ما يكب الإنسان فيها على وجهه ومنخريه ( حصد لسانه ) بمعنى محصوده ، شبه ما يمسكه من الكلام الحرام كالكفر والقذف بحصاد الزرع استعارة تحقيقية بعد تشبيه الألسنة بحصاد الزرع استعارة مكنية ، وأشار الناظم بهذا إلى حديث رضي الله عنه { معاذ بن جبل تتجافى جنوبهم عن المضاجع } حتى بلغ يعملون . ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ قلت بلى يا رسول الله ، قال : رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد . ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت بلى يا رسول الله فأخذ بلسانه قال كف عليك هذا ، قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال ثكلتك أمك ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم } رواه قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار ، قال لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان ، وتحج البيت . ثم قال ألا أدلك على أبواب الخير ؟ [ ص: 67 ] الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل من جوف الليل ، ثم تلا { الترمذي وقال حديث حسن صحيح . قال الحافظ ابن رجب : وخرجه الإمام أحمد والنسائي ثم قال : هذا يدل على أن وابن ماجه هو أصل الخير كله وأن من ملك لسانه فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه . كف اللسان وضبطه وحبسه
وخرج من حديث البزار أبي يسر { } وقال إسناد حسن . أن رجلا قال يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ، قال أمسك هذا وأشار إلى لسانه ، فأعادها عليه وقال ثكلتك أمك هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم
قال الحافظ ابن رجب : والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم وعقوباته ، فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يحصد يوم القيامة ما زرع ، فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد الندامة .
وظاهر حديث أن معاذ ، فإن معصية النطق يدخل فيها الشرك وهو أعظم الذنوب عند الله عز وجل ، ويدخل فيها القول على الله بغير علم وهو قرين الشرك ، وشهادة الزور التي عدلت الشرك بالله ، والسحر والقذف وغير ذلك من الكبائر والصغائر ، كالكذب والنميمة والغيبة وسائر المعاصي القولية ، وكذا الفعلية لا يخلو غالبا من قول يقترن بها يكون معينا عليها . أكثر ما يدخل به الناس النار النطق بألسنتهم
وفي حديث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } رواه الإمام أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان الفم والفرج أحمد والترمذي .
[ ص: 68 ] وأخرج البخاري والترمذي عن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { سهل بن سعد } . من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة
وعند الإمام أحمد والطبراني وأبي يعلى ورواته ثقات عن أبي موسى مرفوعا { } والفقمان هما اللحيان . من حفظ ما بين فقميه وفرجه دخل الجنة
وأخرج الترمذي وحسنه في صحيحه عن وابن حبان مرفوعا { أبي هريرة } . من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة
في الأوسط عن والطبراني مرفوعا { أنس } . من حفظ لسانه ستر الله عورته
ورواه أبو يعلى بلفظ { } . من خزن لسانه ستر الله عورته
في الصغير والأوسط عنه مرفوعا { والطبراني } . لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان حتى يخزن من لسانه
وفي الصحيحين عن أيضا رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } . إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب
وخرجه الترمذي ولفظه { } . إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار
وفي حديث رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } رواه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت البخاري . ومسلم
وروى من حديث الطبراني أسود بن أصرم المحاربي قال { } . قلت يا رسول الله أوصني ، قال هل تملك لسانك ؟ قلت ما أملك إذا لم أملك لساني ، قال فهل تملك يدك ؟ قلت ما أملك إذا لم أملك يدي ، قال فلا تقل بلسانك إلا معروفا ، ولا تبسط يدك إلا إلى خير
وفي مسند الإمام رضي الله عنه عن أحمد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أنس بن مالك } . لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه
[ ص: 69 ] عن والطبراني مرفوعا { معاذ } . إنك لن تزال سالما ما سكت ، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك
وفي المسند عن مرفوعا { عبد الله بن عمرو } . من صمت نجا
وخرج الإمام من حديث أحمد سليمان بن سحيم عن أمه قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول { صنعاء } . إن الرجل ليدنو من الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيتكلم بالكلمة فيتباعد منها أبعد من
وخرج أيضا الترمذي عن والنسائي بلال بن الحارث مرفوعا { } . إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه
وقال صلى الله عليه وسلم { آدم عليه لا له إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذكر الله عز وجل } . كلام ابن
إذا علمت ما ذكرنا ، وفهمت مضمون ما حررنا ، تيقنت عظم شأن اللسان . وما يعود به على الإنسان . ولنتكلم على آفات اللسان وشئونه في مقامات .