مطلب : التكبر على الخلق قسمان ، وفيه كلام نفيس .
( الثالث ) : ينقسم إلى قسمين : أحدهما التكبر على [ ص: 224 ] الرسل عليهم الصلاة والسلام ، من جهة ترفع النفس عن الانقياد للبشر ، وربما عرفت النفوس صحة قولهم وما جاءوا به فيمنعها الكبر عن الانقياد والانفعال لهم ، وهذا كفر ونعوذ بالله منه ومن غيره . : التكبر على الخلق
والثاني : التكبر على الخلق سوى من قدمنا من الأنبياء والمرسلين ، وهو عظيم من وجهين : أحدهما أن الكبرياء والعظمة لا تليق إلا بالملك القادر لا بالعبد العاجز .
ثم إنه يتكبر بما ليس له ولا خلق شيئا منه ، وأمره في يد غيره ، وهو مربوب مقهور .
إن أعجب بجماله فجماله ليس هو من صنعه .
أو بعلمه فعلمه ليس من وسعه ، فإنه لا يتعقل كيف يعلق العلم بالقلب ، ولا يدرك كيف يعقل في الحافظة ، ولا يحيط بكنه حقائق الحراس الباطنة .
ومن كان بمثل هذه المثابة فكيف يعجب ويتكبر ؟ ، والوجه الثاني : أن الكبر يدعو إلى مخالفة الله - عز وجل - في أمره ونهيه ; لأن المتكبر يأنف من قبول الحق ، وإذا قيل له : اتق الله أخذته العزة بالإثم .
ولذا قال عليه السلام { } وربما تكبر العالم واحتقر الناس ، ويرى أنه في الآخرة أعلى منهم منزلة ، وليس هذا بعالم بل ظالم ، لأن العلم هو الذي يعرف الإنسان نفسه ، ويعلمه حجة الله عليه فيزيده خوفا . الكبر بطر الحق وغمط الناس
ولذا قال رضي الله عنه من ازداد علما ازداد وجعا . أبو الدرداء
وربما كان العلم حجة عليه عند الله تعالى .
وربما تكبر العابد بعبادته ، ولعلها غير مقبولة عند الله جل شأنه .
وربما تكبر صاحب النسب بنسبه ونسي قوله تعالى { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وربما تكبر الغني بغناه ، ولو عرف المسكين آفة الغنى وشرف الفقر ، وأن الدنيا لو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ، وأن الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة بخمسمائة عام ، لما تكبر بها . .