ثم لما لم تكن كراهة ذلك مطلقة ، بل قد يباح التبختر والخيلاء والتكبر وذلك في حرب الكفار أشار الناظم إلى استثناء ذلك بقوله ( غير ) أنه لا يكره المطيطاء والتبختر ولا الكبر والخيلاء ( في ) حالة ( حرب جحد ) جمع جاحد ، أي كفار ، يقال جحده حقه كمنعه جحدا وجحودا أنكره مع علمه ، والكافر قد أنكر ما يجب عليه من طاعة الله ورسوله ، إنما لم يكره في حالة الحرب ; لأن المطلوب إظهار القوة والجلد وعدم الاكتراث بالعدو .
وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه جابر بن عتيك عنه عليه الصلاة والسلام : { } . إن من الخيلاء ما يبغض الله ومنها ما يحب ، فأما التي يحب فاختيال الرجل على القتال واختياله عند الصدقة ، وأما التي يبغض الله فاختياله في البغي والفخر
وفي السيرة النبوية ورواه الإمام أحمد عن ومسلم رضي الله عنه أنس عن والطبراني قتادة بن النعمان ، وإسحاق بن راهويه عن والبزار [ ص: 347 ] رضي الله عنهم في غزوة الزبير بن العوام أحد قالوا : { أحد فبسطوا أيديهم كل إنسان يقول أنا ، فقال : من يأخذه بحقه ؟ فأحجم القوم ، فقام رجال فأمسكه عنهم } . وعند عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا يوم { ابن عقبة رضي الله عنه فأعرض عنه ، ثم طلبه عمر رضي الله عنه فأعرض عنه ، فوجدا في أنفسهما من ذلك الزبير } . وعند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرضه طلبه منه عن إسحاق بن راهويه عمرو بن يحيى المازني { طلبه ثلاث مرات ، كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير } . وفي أن عن الطبراني { قتادة بن النعمان رضي الله عنه قام فطلبه ، فقال له : اجلس ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأخذه بحقه ؟ فقام إليه عليا بضم الدال المهملة وبالجيم والنون رضي الله عنه واسمه أبو دجانة سماك بن خرشة بكسر السين المهملة وتخفيف الميم وبالكاف وفتح الخاء المعجمة من خرشة والراء والشين المعجمة أخو بني ساعدة ، } { أن } ، قال فقال : وما حقه يا رسول الله ؟ قال أن تضرب به في العدو حتى ينحني ، قال : أنا آخذه يا رسول الله بحقه ، قال لعلك إن أعطيتكه تقاتل في الكيول ، قال لا الشمس الشامي : الكيول بكاف مفتوحة فمثناة تحتية مضمومة مشددة وتخفف فواو ساكنة فلام : آخر القوم أو آخر الصفوف في الحرب وهو فيعول من كال الزند يكيل كيلا إذا كبى أي لم يخرج نارا ، وذلك لا نفع فيه ، فشبه مؤخر الصفوف به ; لأن من كان فيه لا يقاتل وقيل : الكيول الجبان انتهى فأعطاه إياه ، { أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب وكان له عصابة حمراء يعلم بها عند الحرب يعتصب بها ، فإذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل ، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك فعصب بها رأسه ، فقالت الأنصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت ، وهكذا كانت تقول إذا اعتصب بها ثم جعل يتبختر بين الصفين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه يتبختر إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن . } [ ص: 348 ] قال وكان : { الزبير لأبي دجانة وجدت في نفسي حين سألته فمنعني وأعطاه إياه وقلت : أنا ابن صفية عمة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قمت إليه وسألته إياه قبله فأعطاه إياه وتركني ، لأنظرن ما يصنع به ، فأتبعته فخرج ، وهو يقول :
أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل أن لا أقوم الدهر في الكيول
أضرب بسيف الله والرسول
فيكون ذلك من الحامل له ولأمثاله على الإقدام والجرأة عليهم والاحتقار لهم وعدم الاحتفال بشأنهم .
وأما اختيال الإنسان عند الصدقة يعني عند دفعه للصدقة فلأنه يدل على علو همته وشرف نفسه فلا يستكثر كثيرها ، وإن جل ، والله الموفق . .