ولما بين لك هذه الفوائد المترتبة على العزلة وأضعاف أضعافها من الفوائد مما لم ينبه عليه أمرك بها مؤكدا لما رغب فيه فقال :
مطلب : في : فكن حلس بيت فهو ستر لعورة وحرز الفتى عن كل غاو ومفسد ( فكن ) أي إن كنت فهمت ما أشرت به إليك ، وأهديته عليك من هذه المناقب والفوائد الحاصلة بالاختلاء عن الناس ، فكن أنت ( حلس ) أي كن في اختلائك كحلس ( بيت ) لا تفارقه ولا تبرح عنه بل الزمه ( فهو ) أي صنيعك من لزومك لبيتك ( ستر لعورة ) وهي كل ما يستحى منه إذا ظهر . ملازمة البيوت عند الفتنة
[ ص: 467 ] قال في النهاية : وكل عيب وخلل في الشيء فهو عورة ، وهو المراد هنا . وأشار بهذا إلى ما رواه عن ابن أبي الدنيا مكحول مرسلا قال : { قال رجل متى قيام الساعة يا رسول الله ؟ قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ولكن لها أشراط وتقارب أسواق ، قالوا يا رسول الله ما تقارب أسواقها ؟ قال كسادها ومطر ولا نبات ، وأن تفشو الغيبة ، وتكثر أولاد البغية ، وأن يعظم رب المال ، وأن تعلو أصوات الفسقة في المساجد ، وأن يظهر أهل المنكر على أهل الحق . قال رجل فما تأمرني ؟ قال فر بدينك وكن حلسا من أحلاس بيتك } .
وروى أبو داود عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } قال إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي . قالوا فما تأمرنا ؟ قال كونوا أحلاس بيوتكم الحافظ المنذري : الحلس هو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب ، يعني الزموا بيوتكم في الفتن كلزوم الحلس لظهر الدابة ، انتهى . وقال في المطالع في قوله تلبس شر أحلاسها أي دنيء ثيابها ، وأصله من الحلس وهو كساء أو لبد يجعل على ظهر البعير تحت القتب يلازمه .
قال : ومنه يقال فلان حلس بيته أي ملازمه ، ونحن أحلاس الخيل أي الملازمون لظهورها . ومنه في إسلام رضي الله عنه : ولحوقها بالقلاص وأحلاسها أي ركوبها إياها ، انتهى . وفي القاموس : الحلس بالكسر كساء على ظهر البعير تحت البردعة ويبسط في البيت تحت حر الثياب ، ويحرك ويجمع على أحلاس وحلوس وحلسة . قال وهو حلس بيته إذا لم يبرح مكانه ، انتهى . عمر
وقال رضي الله عنه لأصحابه : كونوا ينابيع الحكم ، مصابيح الحكمة سرج الليل جدد القلوب أحلاس البيوت ، خلقان الثياب ، تعرفون في السماء وتخفون على أهل الأرض ، كما في شرح الإسلام لشيخ الإسلام عبد الله بن مسعود ابن تيمية : [ ص: 468 ] و ) هو أي لزوم البيت ( حرز الفتى ) أي حصن حصين .
يقال حرز حريز أي منيع ( عن كل ) شخص ( غاو ) أي ضال من ذكر وأنثى يقال غوى يغوي غيا وغوى غواية ولا يكسر فهو غاو وغوي وغيان ( و ) عن كل ( مفسد ) لدينه ودنياه وقلبه وعقيدته ، يقال فسد كنصر وعقد وكرم فسادا وفسودا ضد صلح فهو فاسد .