فأرشد الناظم رحمه الله تعالى أن الإنسان إذا خالط فلتكن خلطته لموفق من الله سبحانه لما فيه سعادته ونجاته ، وأن يكون ذلك الموفق ( من العلما ) جمع عالم وهو المتصف بالعلوم الشرعية وقصره لضرورة الوزن ، وذلك لأجل استفادته معرفة الأحكام ، من الحلال والحرام ، وإصلاح دينه ، ورسوخه وتمكينه ( أهل التقى ) صفة لازمة أو كاللازمة للعلماء ( و ) أهل ( التعبد ) والخضوع ، والذل والخشوع ، ورفع الأيدي وسفح الدموع [ ص: 473 ] بين يدي عالم السر والنجوى ، وكاشف الضر والبلوى .
وهذه من الذين علومهم زاخرة ، ونفوسهم طاهرة ، ومقام العبودية اختاره المصطفى صلى الله عليه وسلم لنفسه على مقام الملك وهو مقام عظيم ، وصف الله سبحانه نبيه به في أشرف مقاماته كمقام التنزيل في قوله { صفات علماء الآخرة الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب } ومقام الدعوة في قوله { وأنه لما قام عبد الله يدعوه } وفي مقام التحدي في قوله { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } . وفي مقام الإسراء في قوله { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } .
{ قريش كانت تأكل القديد } . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { وقام بين يديه صلى الله عليه وسلم رجل يوم الفتح فارتعد فقال له هون عليك إني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله } . لا تطروني كما أطرت
وروى الإمام عن أحمد رضي الله عنه قال { أبي هريرة جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء فإذا ملك مهول ، فقال جبريل إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة ، فلما نزل قال يا محمد أرسلنا إليك ربك أملكا نبيا يجعلك أم عبدا رسولا ؟ قال جبريل : فتواضع لربك يا محمد ، قال بل عبدا رسولا } . جلس
ومن مراسيل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { يحيى بن أبي كثير } خرجه آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد ، فإنما أنا عبد ابن سعد في طبقاته .
وخرج أيضا من رواية أبي معشر عن عن المقبري رضي الله عنها { عائشة جبريل عليه السلام ضع نفسك فقلت نبيا عبدا . قالت فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئا ويقول : آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد } . [ ص: 474 ] قلت : ورواه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني ملك فقال إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إن شئت نبيا ملكا ، وإن شئت نبيا عبدا فأشار إلي عن النسائي رضي الله عنه ما ولفظه { ابن عباس جبريل ، فقال الملك إن الله تبارك وتعالى يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون ملكا ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير ، فأشار جبريل بيده أن تواضع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بل أكون عبدا نبيا . فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا } . أن الله تبارك وتعالى أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة ومعه
ومن مراسيل الزهري قال { جبريل ، فقال الملك وجبريل صامت إن ربك يخيرك بين أن تكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستأمر ، فأشار إليه أن تواضع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نبيا عبدا } قال بلغنا أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها ومعه الزهري : فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل منذ قالها متكئا . وتقدم بعض ذلك في آداب الأكل والكلام عليه بما فيه غنية .
وما رواه الترمذي من حديث رضي الله عنها وقولها له { عائشة يا نبي الله لو أكلت وأنت متكئ كان أهون عليك ، فأصغى بجبهته إلى الأرض حتى كاد يمس بها الأرض وقال بل آكل كما يأكل العبد وأنا جالس كما يجلس العبد فإنما أنا عبد } .
قال بعض العارفين : من ادعى العبودية وله مراد باق فهو كاذب في دعواه ، إنما تصح العبودية لمن أفنى مراداته وقام بمراد سيده يكون اسمه ما يسمى به ونعته ما حلي به ، إذا دعي باسمه أجاب عن العبودية ، فلا اسم له ولا رسم ولا يجيب إلا لمن يدعوه بعبودية سيده ، وأنشأ يقول :
يا عمرو ثاري عند زهراء يعرفه السامع والرائي لا تدعني إلا بيا عبدها
فإنه أصدق أسمائي
مالي وللفقر إلى عاجز مثلي لا يملك إغنائي
وإنما يحسن فقري إلى مالك إسعادي وإشقائي
أتيه عجبا بانتمائي إلى أبوابه إذ قلت مولائي
لا تدعني إلا بيا عبده فإنه أشرف أسمائي
ومما زادني عجبا وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا