ورأى بعضهم في منامه امرأة لا تشبه نساء الدنيا ، فقال لها : من أنت ؟ قالت حوراء أمة الله ، فقال لها : زوجيني نفسك ، قالت : اخطبني إلى سيدي وأمهرني ، قال وما مهرك ؟ قالت : طول التهجد .
نام بعض المتهجدين ذات ليلة فرأى في منامه حوراء تنشد :
أتخطب مثلي وعني تنام ونوم المحبين عنا حرام لأنا خلقنا لكل امرئ
كثير الصلاة براه الصيام
تيقظ ساعات من الليل يا فتى لعلك تحظى في الجنان بحورها
فتنعم في دار يدوم نعيمها محمد فيها والخليل يزورها
فقم فتيقظ ساعة بعد ساعة عساك تقضي ما بقي من مهورها
ذرأنا إله الناس رب محمد لقوم على الأقدام بالليل قوم
يناجون رب العالمين إلههم وتسري هموم القوم والناس نوم
وفي تبصرة ابن الجوزي قال : سمعت أحمد بن أبي الحواري أبا سليمان يقول : بينما أنا ساجد ذهب بي النوم ، وإذا أنا بالحوراء قد ركضتني برجلها فقالت يا حبيبي أترقد والملك يقظان ينظر إلى المتهجدين في تهجدهم ، بؤسا لعين آثرت لذة نومة على لذة مناجاة العزيز ، قم فقد دنا الفراق ولقي المحبون بعضهم بعضا فما هذا الرقاد ، حبيبي وقرة عيني أترقد عيناك وأنا أربى لك في الخدور ، فوثبت فزعا وقد عرقت استحياء من توبيخها إياي وإن حلاوة منطقها لفي سمعي وقلبي ، انتهى .
وكان أبو سليمان يقول : أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا . وقال : إذا جن الليل وخلا كل حبيب بحبيبه افترش أهل المحبة أقدامهم ، وجرت دموعهم على خدودهم ، أشرف الجليل جل جلاله فنادى يا جبريل بعيني من تلذذ بكلامي واستروح إلى مناجاتي ، ناد فيهم يا جبريل ما هذا البكاء ، هل رأيتم حبيبا يعذب أحباءه ، أم كيف يجمل بي أن أعذب قوما إذا جنهم الليل تملقوني ، فبي حلفت إذا قدموا علي يوم القيامة ، لأكشفن لهم عن وجهي ، ينظرون إلي وأنظر إليهم " .
[ ص: 504 ] وقال الإمام المحقق ابن القيم في روضة المحبين : العبد إذا رزق حظا من صلاة الليل فإنها تنور الوجه وتحسنه . قال : وقد كان بعض النساء تكثر صلاة الليل ، فقيل لها في ذلك ، فقالت إنها تحسن الوجه وأنا أحب أن يحسن وجهي . انتهى .
قال الحافظ ابن رجب في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى : سئل لم كان المتهجدون أحسن الناس وجوها ؟ قال : لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره . الحسن البصري
فإن قلت : لم لم تذكر حديث { } في الاستدلال لذلك ؟ قلت : لأنه موضوع من غير قصد . قال بعض أهل الحديث : اتفق أئمة الحديث على أنه من قول من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار شريك لثابت لما دخل عليه وإن رواه من حديث ابن ماجه . والعجب من جابر الجلال السيوطي مع إطلاعه على وضعه كيف أودعه في كتابه الجامع الصغير . وقصة الحديث مشهورة فلا نطيل الكلام عليه والله أعلم .