ولما كان طلب العلم إنما ينفع حيث خلصت فيه النية وكان لله تعالى لا لدنيا يصيبها ، حذر الناظم من طلبه لأجل المال ، أو الرياء والسمعة فقال :
مطلب : في : ولا تطلبن العلم للمال والريا فإن ملاك الأمر في حسن مقصد ( ولا تطلبن ) أنت ( العلم ) الذي هو أرفع المطالب ، وأسنى المناقب ، وهو سلم المعرفة ، وطريق التوفيق لنيل الخلود في دار الكرامة ( ل ) نيل ( المال ) الذي مآله إلى التراب ، ولطلب عمارة الدنيا التي سبيلها إلى الخراب وقد وصف النهي عن طلب العلم للرياء وإخلاص النية فيه لله تعالى رضي الله عنه الدنيا فقال : دار من صح فيها أمن ، ومن أمن غبن ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن استغنى فيها فتن . في حلالها الحساب ، وفي حرامها النار . علي بن أبي طالب
وكان يقول : اتقوا السحارة ، فإنها تسحر قلوب العلماء . مالك بن دينار
( و ) لا تطلبن العلم أيضا ل ( لريا ) والسمعة ، فتحصل على الخسران وتضمن التبعة .
وقد روى أبو داود في صحيحه وابن حبان وقال صحيح على شرط والحاكم البخاري عن ومسلم رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة } يعني ريحها . من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة
وتقدم حديث في أول الكتاب وفيه { أبي هريرة } الحديث رواه ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت [ ص: 519 ] العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ولكنك تعلمت ليقال : عالم ، وقرأت ليقال : هو قارئ فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار وغيره . مسلم
فلا بد من . فقد نقل تصحيح النية في طلب العلم مهنا صاحب الإمام رضي الله عنه أنه قال يعني الإمام رضي الله عنه : طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته . قيل فأي شيء تصحيح النية ؟ قال ينوي أن يتواضع فيه وينفي عنه الجهل . أحمد
وقال الإمام أحمد لأبي داود : شرط النية شديد حبب إلي فجمعته .
وقال لابن هانئ : العلم لا يعدله شيء .
إذا علمت هذا ( ف ) قد ظهر لك ( أن ملاك الأمر ) يعني كل الأمر وروحه والمقصود منه مجتمع ( في حسن مقصد ) أي في حسن القصد والنية والإخلاص لله ، ورفض شائبة الرياء والسمعة والأغراض الدنية ، والأعراض الدنيوية ، قال في القاموس : ملاك الأمر ويكسر : قوامه الذي يملك به ، وفي نهاية : وفيه يعني الحديث ملاك الدين الورع ، الملاك بالكسر والفتح قوام الشيء ونظامه وما يعتمد عليه فيه . انتهى . ابن الأثير
فلا بد من الإخلاص لتنال الخلاص ، وإلا وقعت في قيد الأقفاص ، { ولات حين مناص } .
( تنبيه ) : ذكر الإمام العلامة ابن مفلح في الفروع عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية طيب الله مثواه ، أن من فعل هذا يعني طلب العلم أو غيره مما هو خير في نفسه لما فيه من المحبة له لا لله ولا لغيره من الشركاء فليس مذموما بل قد يثاب بأنواع من الثواب ، إما بزيادة فيها وفي أمثالها فيتنعم بذلك في الدنيا ، ولو كان فعل كل حسن لم يفعل لله مذموما لما أطعم الكافر بحسناته في الدنيا ; لأنها تكون سيئات ، وقد يكون من فوائد ذلك وثوابه في الدنيا أن يهديه الله إلى أن يتقرب بها إليه ، وهذا معنى قول بعضهم طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله ، وقول الآخر : طلبهم له نية يعني نفس طلبه حسن ينفعهم . وهذا قيل في العلم ; لأنه الدليل المرشد ، فإذا طلبه بالمحبة وحصله عرفه الإخلاص ، فالإخلاص لا يقع إلا بالعلم ، فلو كان [ ص: 520 ] طلبه لا يكون إلا بالإخلاص لزم الدور ، انتهى . وهذا ينبغي أن يكون خلاصة التحقيق ، ودقيقة التدقيق والله ولي التوفيق .