فمن ذلك أنك إذا رأيت مغمورا بالدنيا ، قد سالت له أوديتها حتى لا يدري ما صنع بالمال ، فهو يصوغه أواني يستعملها ، ومعلوم أن البلور والعقيق والشبه قد يكون أحسن منها صورة ، غير أن قلة مبالاته بالشريعة جعلت عنده وجود النهي كعدمه ، ويلبس الحرير ويظلم الناس والدنيا منصبة عليه ، ثم يرى خلقا من أهل الدين وطلاب العلم مغمورين بالفقر والبلاء ، مقهورين تحت ولاية ذلك الظالم ، فحينئذ يجد الشيطان طريقا للوسواس ; ويبتدئ بالقدح في حكمة القدر .
فيحتاج المؤمن إلى صبر على ما يلقى من الضرر في الدنيا . وعلى جدال إبليس في ذلك ، وكذلك في تسليط الكفار على المسلمين . والفساق على أهل الدين . وأبلغ من هذا إيلام الحيوان وتعذيب الأطفال . ففي مثل هذه المواطن يتمحض الإيمان .
ومما يقوي الصبر على الحالتين النقل والعقل . أما النقل فالقرآن والسنة . أما القرآن فمنقسم إلى قسمين : أحدهما : . فمن ذلك قوله تعالى { بيان سبب إعطاء الكافر والعاصي إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } . { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة } .
{ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها } . وفي القرآن من هذا كثير .
والقسم الثاني ، كقوله تعالى { ابتلاء المؤمن بما يلقى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم } . { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا } . { أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم } . وفي القرآن من هذا كثير .
[ ص: 565 ] وأما السنة فمنقسمة إلى قول وحال . أما الحال فإنه كان صلى الله عليه وسلم يتقلب على رمال وحصير تؤثر في جنبيه ، فبكى رضي الله عنه وقال { عمر } . كسرى وقيصر في الحرير والديباج . فقال له صلى الله عليه وسلم أفي شك أنت ، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا
وأما القول فكقوله عليه الصلاة والسلام { } " . لو أن الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء
وأما العقل فإنه يقوي عساكر الصبر بجنود . منها أن يقول : قد ثبتت عندي الأدلة القاطعة بحكمة القدر . فلا أترك الأصل الثابت لما يظنه الجاهل خللا . ومنها أن يقول : ما قد استهولته أيها ; الناظر من بسط يد العاصي فإنه قبض في المعنى . وما قد أثر عندك من قبض يد الطائع فإنه بسط في المعنى .
لأن ذلك البسط يوجب عقابا طويلا . وهذا القبض يؤثر انبساطا في الأجر جزيلا . فزمان الرجلين ينقضي عن قريب . والمراحل تطوى والركبان في الحديث .
ومنها أن يقول : قد ثبت أن المؤمن بالله كالأجير . وأن زمن التكليف كبياض نهار ، ولا ينبغي للمستعمل في الطين أن يلبس نظيف الثياب . بل ينبغي أن يصابر ساعات العمل فإذا فرغ تنظف ولبس أجود ثيابه . فمن ترفه وقت العمل ندم وقت تفريق الأجرة . وعوقب على التواني فيما كلف .
فهذه النبذ تقوي أزر الصبر . قال وأزيدها بسطا فأقول : أترى إذا أريد اتخاذ شهداء فكيف لا يخلق أقواما يبسط أيديهم لقتل المؤمنين .
أفيجوز أن يقتل إلا مثل لعمر أبي لؤلؤة . إلا مثل ولعلي ابن ملجم .
أفيصلح أن يقتل ليحيى بن زكريا الأحبار . ولو أن عين الفهم زال عنها غشاء العشا لرأت المسبب لا الأسباب ، والمقدر لا الأقدار ، فصبرت على بلائه إيثارا لما يريد . ومن هنا ينشأ الرضا . كما قيل لبعض أهل البلاء : ادع الله بالعافية . فقال أحبه إلي أحبه إلى الله عز وجل .
إن كان رضاكم في سهري فسلام الله على وسني