ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا  خالد بن الوليد ،  وبعثه  [ ص: 97 ] إلى أكيدر دومة  ، وهو أكيدر بن عبد الملك  رجل من كندة ،   وكان ملكا عليهم ، وكان نصرانيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد   : إنك ستجده يصيد بقر الوحش فخرج  خالد بن الوليد  حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة ، وهو على سطح له ، ومعه امرأته ، فباتت البقر تحك قرونها بباب القصر ، فقالت له امرأته : هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال : لا والله ، قالت : فمن يترك هذا ؟ قال : لا أحد ، فنزل أكيدر دومة ،  وأمر بفرسه فأسرج ، وركب في نفر من أهل بيته ومعه أخوه حسان ،  فلما خرجوا بمطاردهم تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم  خالد بن الوليد  ، فقتلوا أخاه حسانا ،  وقد كان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب فاستلبه خالد ،  وبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ، ويعجبون منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتعجبون من هذا ، والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ  في الجنة أحسن من هذا ، ثم إن خالدا  قدم بأكيدر  على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن له دمه ، وصالحه على الجزية ، ثم خلى سبيله ، ورجع  [ ص: 98 ] إلى قريته . 
وافتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم  كعب بن مالك ،  فقال : ما فعل  كعب بن مالك ؟  فقال رجل من بني سلمة :  يا رسول الله ، حبسه برداه والنظر في عطفيه ، فقال له  معاذ بن جبل :  بئس والله ما قلت ، والله يا رسول الله ما علمنا منه إلا خيرا ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك  بضع عشرة ليلة يقصر الصلاة ولم يجاوزها ، ثم انصرف قافلا إلى المدينة  ، وكان في الطريق ماء يخرج من وشل ما يروي الراكب ، والراكبين ، والثلاثة بواد - يقال له : المشقق - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقين منه شيئا حتى آتيه ، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده فيها ، فجعل ينصب في يده ما شاء الله أن ينصب ، ثم مجه فيه ، ودعا الله بما شاء أن يدعو ، فانخرق من الماء فشرب الناس ، واستقوا حاجتهم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لئن بقيتم أو بقي منكم لتسمعن بهذا الوادي ، وهو أخصب ما بين يديه ، وما خلفه   [ ص: 99 ] وذاك الماء فوارة تبوك  اليوم ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بعض المنازل . 
ومات عبد الله ذو البجادين ،  فحفروا له ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وأبو بكر ،  وعمر يدليانه  إليه ، وهو يقول : أدليا لي أخاكما ، فأدلوه إليه ، فلما هيأه لشقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه ، فقال  عبد الله بن مسعود :  يا ليتني كنت صاحب الحفرة ، وكان المسلمون يقولون : لا جهاد بعد اليوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينقطع الجهاد حتى ينزل عيسى ابن مريم  عليه السلام  . 
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك  إلى المدينة مساجد في منازله معروفة إلى اليوم ،  فأولها مسجد تبوك  ومسجد بثنية مدران ،  ومسجد بذات الزراب ،  ومسجد بالأخضر ،  ومسجد بذات الخطمي ،  ومسجد بذات البتراء ،  ومسجد بالشق ،  ومسجد بذي الجيفة   [ ص: 100 ] ومسجد بالصدر ،  ومسجد وادي القرى ،  ومسجد الرقعة ،  ومسجد بذي مروة ،  ومسجد بالفيفاء ،  ومسجد بذي خشب ،.  
				
						
						
