الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فلما دخلت السنة التاسعة والثلاثون

استعمل علي يزيد بن حجية التميمي على الري ، ثم كتب إليه بعد مدة أن اقدم ، فقدم على علي فقال له : أين ما غللت من مال الله ؟  قال : ما غللت ، فخفقه بالدرة خفقات وحبسه في داره ، فلما كان في بعض الليالي [ ص: 299 ] قرب يزيد البواب وماحله ، ولحق بالرقة وأقام بها حتى أتاه إذن معاوية ، فلما بلغ عليا لحوقه معاوية قال : اللهم إن يزيد أذهب بمال المسلمين ولحق بالقوم الظالمين ، اللهم فاكفنا مكره وكيده .

ثم وجه معاوية خيلا فيهم : الضحاك بن قيس الفهري ، وسفيان بن عوف الدابري ، فأغار سفيان على الأنبار وفيها مسلحة لعلي ، فلما بلغ عليا خروجهم خرج من بيته والناس في المسجد ، فلما رأوه صاحوا ، قال : اسكتوا اسكتوا ، فلما سكتوا قال : شاهت الوجوه ! شاهت الوجوه ! إن قلت : نعم ، قلتم : لا ، وإن قلت : لا ، قلتم : نعم ، إن استنفرتكم في الحر قلتم : الحر شديد فإذا جاء الشتاء نفرنا ، وإذا جاء الشتاء واستنفرتكم قلتم : البرد شديد وإذا كان الصيف نفرنا ، إن عدوكم يجد من الهناء ما تجدون ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع ، وددت أن لي بجماعتكم ألف فارس .

ثم بعث معاوية بسر بن أرطاة - أحد بني عامر بن لؤي - في جيش من أهل الشام إلى المدينة وعليها أبو أيوب الأنصاري ، فهرب منه [ ص: 300 ] أبو أيوب ولحق عليا بالكوفة ، ولم يقاتله أحد بالمدينة حتى دخلها ، فصعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل ينادي : يا أهل المدينة ، والله لولا ما عهد إلي أمير المؤمنين معاوية ما تركت فيها محتلما إلا قتلته ، فبايع أهل المدينة معاوية ، وأرسل إلى بني سلمة : ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله ، فدخل جابر بن عبد الله على أم سلمة ، وقال : يا أماه إني خشيت على دمي ، وهذه بيعة ضلالة ، فقالت : أرى أن تبايع ، فخرج جابر بن عبد الله فبايع بسر بن أرطاة لمعاوية كارها ، ثم خرج بسر حتى أتى مكة ، فخافه أبو موسى الأشعري وكان والي مكة لعلي ، وتنحى عن مكة حتى دخلها ، ثم مضى إلى اليمن وعليها عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب عامل علي ، فلما سمع به عبيد الله هرب ، واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد المدان ، وكانت ابنته تحت عبيد الله بن عباس ، فلما قدم بسر اليمن قتل عبد الله بن عبد المدان ، وأخذ ابنين لعبيد الله بن عباس بن عبد المطلب - من أحسن الصبيان - صغيرين كأنهما درتان ، ففعل بهما ما فعل .

فلما حضر الموسم بعث علي على الحج عبد الله بن عباس ، وبعث [ ص: 301 ] معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ، فاجتمعا بمكة وتنازعا وأبى كل واحد منهما أن يسلم لصاحبه إقامة الحج ، فاجتمع الناس على شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، فحج بالناس شيبة بن عثمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية