فلما دخلت السنة الأربعون 
وبلغ الخبر عليا  بما فعل  بسر بن أرطاة  باليمن  ، وما كان من أمر بني عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب ،  خطبهم وقال : لقد خفت أن يظهر مولى القوم عليكم ، وما يظهرون عليكم بأن يكونوا بالحق أولى منكم ، ولكن بصلحهم في بلادهم ، وفسادكم في بلادكم ، واجتماعهم على باطلهم ، وتفرقكم عن حقكم ، وأدائهم الأمانة وخيانتكم ، والله والله لو استعملت فلانا لخان وغدر - ثلاثا ، ولو بعثه معاوية  لم يخنه ولا غدره ، اللهم قد مللتهم وملوني ، وسئمتهم وسئموني ، وكرهتهم وكرهوني ، فأرحني منهم وأرحهم مني ، وأبدلني بمن هو خير لي منهم ، وأبدلهم بمن هو شر لهم مني  . 
 [ ص: 302 ] ثم كان قتل  علي بن أبي طالب    . 
وكان السبب في ذلك أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي  أبصر امرأة من بني تيم الرباب  يقال لها : قطام  ، وكانت من أجمل أهل زمانها ، وكانت ترى رأي الخوارج  ، فولع بها ، فقالت : لا أتزوج بك إلا على ثلاثة آلاف ، وقتل  علي بن أبي طالب ،  فقال لها : لك ذلك ، فتزوجها وبنى بها ، فقالت له : يا هذا قد عرفت الشرط ، فخرج عبد الرحمن بن ملجم  ومعه سيف مسلول حتى أتى مسجد الكوفة  ، وخرج علي  من داره وأتى المسجد وهو يقول : أيها الناس الصلاة الصلاة ، أيها الناس الصلاة الصلاة ، وكانت تلك ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان ، فصادفه عبد الرحمن بن ملجم  من خلفه ثم ضربه بالسيف ضربة من قرنه إلى جبهته ، وأصاب السيف الحائط فثلم فيه ، ثم ألقى السيف من يده ، وأقبل الناس عليه ، فجعل ابن ملجم  يقول للناس : إياكم والسيف فإنه مسموم ، وقد سمه شهرا ، فأخذوه ، ورجع  علي بن أبي طالب  إلى داره ، ثم أدخل عليه عبد الرحمن بن ملجم  ، فقالت له  أم كلثوم بنت علي   : يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين ، فقال : لم أقتل إلا أباك ، فقالت : إني لأرجو أن لا يكون على أمير المؤمنين من بأس ، فقال عبد الرحمن بن ملجم :  فلم تبكين إذا ؟ فوالله سممته شهرا ، فإن أخلفني أبعده الله وأسحقه ، فقال علي :   [ ص: 303 ] احبسوه وأطيبوا طعامه وألينوا فراشه ، فإن أعش فعفو أو قصاص ، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين . 
فمات  علي بن أبي طالب  غداة يوم الجمعة ، فأخذ عبد الله بن جعفر  والحسن بن علي  ومحمد ابن الحنفية ،  عبد الرحمن بن ملجم ،  فقطعوا يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم ، ثم كحلوا عينيه بملمول محمى ، ثم قطعوا لسانه ، وأحرقوه بالنار ، وكان لعلي  يوم مات اثنتان وستون سنة ، وكانت خلافته خمس سنين وثلاثة أشهر . 
واختلفوا في موضع قبره ولم يصح عندي شيء من ذلك فأذكره ، وقد قيل : إنه دفن بالكوفة  في قصر الإمارة عند مسجد الجماعة ، وهو ابن ثلاث وستين . 
ثم قام الحسن  بعد دفن أبيه خطيبا في الناس ، فحمد الله وأثنى عليه  [ ص: 304 ] ثم قال : والله لقد مات فيكم رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه بالبعث ويعطيه الراية فما يرجع حتى يفتح الله عليه ، يقاتل جبرئيل  عن يمينه وميكائيل  عن يساره ، ولا ترك بيضاء ولا صفراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادما  . 
وكان  لعلي بن أبي طالب  خمسة وعشرون ولدا ، من الولد : الحسن ،  والحسين  ، ومحسن  ، وأم كلثوم الكبرى ،  وزينب الكبرى  ، وهؤلاء الخمسة من  فاطمة بنت رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وكان له من غيرها : محمد بن علي ،  وعبيد الله ،  وعمر ،  وأبو بكر ،  ويحيى ،  وجعفر ،  والعباس ،  وعبد الله ،  ورقية ،  ورملة ،  وأم الحسن ،  وأم كلثوم الصغرى ،  وزينب الصغرى ،  وجمانة ،  وميمونة ،  وخديجة ،  وفاطمة ،  وأم الكرام ،  وأم سلمة ،  رضي الله عنهم أجمعين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					