ثم كانت وقعة الجسر ،  وذلك أن المثنى بن حارثة الشيباني  قدم على  عمر بن الخطاب  من العراق  وقال : يا أمير المؤمنين ، إنا بأرض فارس  قد نلنا منهم واجترأنا عليهم ، ومعي من قومي جماعة ، فابعث معي ناسا من المجاهدين والأنصار يجاهدون في سبيل الله ، فقام  عمر بن الخطاب   [ ص: 200 ] فحمد الله وأثنى عليه ، ثم دعا الناس إلى الجهاد ورغبهم فيه ، وقال : إنكم أيها الناس قد أصبحتم في دار غير مقام بالحجاز ،  وقد وعدكم الله على لسان نبيه كنوز كسرى  وقيصر ،  فسيروا إلى أرض فارس ،  فسكت الناس لما ذكرت فارس ،  فقام أبو عبيد بن مسعود الثقفي  فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا أول من انتدب من الناس ، حتى اجتمعوا وأجمعوا على المسير ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ، اجتمع الناس ، أمر عليهم رجلا من المهاجرين أو من الأنصار ، فقال : لا أؤمر عليهم إلا أول من انتدب منهم ، فأمر أبا عبيدة  فقال : إنه لم يمنعني أن أستعمل عليهم سليط بن قيس  إلا أنه رجل فيه عجلة إلى القتال ، فأخاف أن يوقع الناس موقعا يهلككم ، فاستشره ، ثم سار أبو عبيد  مع المثنى بن حارثة الشيباني  والمسلمون معهما ، حتى إذا انتهى إلى بلاد قومه قام معه ربيعة  فسار بهم وسار أبو عبيد  بالناس حتى نزلوا باليمن ،  وفيها مصلحة الأعاجم ، فاقتتلوا بها قتالا شديدا ، فانهزمت العجم ، ثم بعث أبو عبيد  بمن معه من المسلمين فالتقيا ، فاقتتلوا فهزم الجالنوس  وأصحابه ، ودخل أبو عبيد  باروسما  حصنا لهم ، ونزل هو وأصحابه فيه . 
 [ ص: 201 ] ثم بعث الأعاجم ذا الحاجب ، وكان رئيس الأعاجم رستم  ، فلما بلغ  أبا عبيد  مسيرهم إليه انحاز بالناس حتى عبر الفرات  ، فنزل في المروحة ، وأقبلت الأعاجم حتى نزلت خلف الفرات  ، ثم إن  أبا عبيد  حلف : ليقطعن إليهم الفرات ، فناشده سليط بن قيس  وقال : أنشدك الله في المسلمين أن تدخلهم هذا المدخل ، فإن العرب تفر وتكر ، فاجعل للناس مجالا ، فأبى أبو عبيد  وقال : جبنت والله يا سليط   ! قال : والله ما جبنت ، ولكن قد أشرت عليك بالرأي فاصنع بما بدا لك ، فعمد أبو عبيد  إلى الجسر  الذي عقد له ابن صلوبا ، فعبر عليه المسلمون ، فلما التقوا شد عليهم الفيل ، فلما رأى أبو عبيد  ما يصنع الفيل قال : هل لهذه الدابة من مقتل ؟ قالوا : نعم ، إذا قطع مشفرها ماتت ، فشد على الفيل فضرب مشفره ، فبرك عليه الفيل فقتله ، وهرب المسلمون منهزمين فسبقهم عبد الله بن مرثد الخثعمي  إلى الجسر  فقطعه ، فقال له الناس : لم فعلت هذا ؟ قال : لتقاتلوا عن أميركم . 
ولما قتل أبو عبيد  أخذ الراية المثنى بن حارثة ،  فانحازوا ورجعت الفرس ، ونزل المثنى بن حارثة  أليس ، وتفرق الناس فلحقوا بالمدينة  [ ص: 202 ] فأول من قدم المدينة بخبر الناس عبد الله بن حصين الخطمي  ، فجزع المسلمون من المهاجرين والأنصار بالفرار ، وكان عمر  يقول : لا تجزعوا أنا فئتكم إنما انحزتم إلي . 
وكان ممن قتل بالجسر : أبو عبيد بن مسعود الثقفي  ، وابنه جبر بن أبي عبيد  ، وأسعد بن سلامة ،  وسلمة بن أسلم بن حريش  ، والحارث بن عدي بن مالك ،  والحارث بن مسعود بن عبدة ،  ومسلم بن أسلم  ، وخزيمة بن أوس  ، وأنيس بن أوس بن عتيك بن عامر  ، وعمر بن أبي اليسر  ، وسلمة بن قيس ،  وزيد بن سراقة بن كعب  ، والمنذر بن قيس  ، وضمرة بن غزية بن عمرو ،  وسهل بن عتيك ،  وثعلبة بن عمرو بن محصن ،  وحج بالناس  عمر بن الخطاب  السنة الرابعة عشرة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					