الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فلما دخلت سنة عشرين ، رجفت المدينة بالزلزلة ، وشكا أهل الكوفة [ ص: 220 ] سعدا ، وزعموا أنه لا يحسن يصلي ، فاستقدمه عمر وسأله فقال : إني أركن في الأوليين وأحذف في الآخرتين ، فقال : كذاك الظن فيك يا أبا إسحاق  ، ثم عزل عمر قدامة بن مظعون عن البحرين ، ودخل أبو بحرية الكندي عبد الله بن قيس بلاد الروم وأغار ، وهو أول من دخلها ، وافتتح مصر والإسكندرية عمرو بن العاص عنوة ، وقد فتحت سنة إحدى وعشرين  ، وغنم بها غنائم كثيرة ثم رجع ، فلما بلغ بلهيب - قرية من قرى الريف - أرسل صاحب الإسكندرية إلى عمرو بن العاص أني قد كنت أخرج الجزية إلى من هو أبغض إلي منكم : فارس والروم ، فإن أحببت أن أعطيك الجزية على أن ترد علي من السبي فعلت ، فبعث إليه عمرو بن العاص : أن من ورائي أميرا لا أستطيع أن أنفذ أمرا دونه ، فإن شئت أن أمسك عنك وتمسك عني حتى أكتب إليه بالذي عرضت علي فعلت ، فإن قبل ذلك قبلته ، وإن أمرني بغير ذلك مضيت لأمره ، فقال : نعم ، فكتب عمرو إلى عمر ، فكتب إليه عمر : أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر فيه أن صاحب الإسكندرية عرض عليك الجزية على أن ترد عليه ما أصبت من سبي أرضه ، ولعمري [ ص: 221 ] لجزية قائمة تكون لنا ولمن بعدنا من المسلمين أحب إلي من فيء يقسم ثم كأنه لم يكن ، فاعرض على صاحب الإسكندرية أن يعطيك الجزية على أن تخيروا من في أيديكم من سبيهم بين الإسلام وبين دين قومهم ، فمن اختار الإسلام فهو من المسلمين ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، ومن اختار دين قومه وضع عليه من الجزية ما يوضع على أهل دينه ، وأما من تفرق من سبيهم فبلغ المدينة ومكة واليمن فإنا لا نقدر على ردهم ، فلا نحب أن نصالحهم على ما لا نفي به ، فبعث عمرو بن العاص إلى صاحب الإسكندرية يعلمه بالذي كتب أمير المؤمنين ، فقال : قد قبلت ، فجمعوا ما بأيديهم من السبي ، واجتمعت النصارى ، فكانوا يخيرون الرجل بين الإسلام والنصرانية ، فإن اختار الإسلام كبر المسلمون وانحاز إليهم ، وإن اختار النصرانية نخرت النصارى ثم حازوه إليهم ، ووضعوا عليهم الجزية .

ثم كتب عمرو بن العاص إلى عمر : أما بعد ، يا أمير المؤمنين ، فإنا قدرنا على البحر ، وإن شئت أن تركبه ركبت ، فكتب إليه عمر أن صف لي كيف حاله وحال من ركبه ، فكتب إليه عمرو بن العاص أنه خلق شديد ، يحل فيه خلق ضعيف ، دود على عود ، إن استمسك به فزع ، وإن خر غرق ، فكتب إلى عمرو بن العاص : ما كان الله ليسألني عن أمري من المسلمين الذين حملتهم فيه ، لا حاجة لنا به .

[ ص: 222 ] وتوفي بلال بن رباح مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدمشق ، ودفن في المقبرة عند باب الصغير ، ثم أخرج عمر يهود الحجاز من نجران إلى الكوفة وقال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : لئن عشت لأخرجن اليهود من جزيرة العرب ، ثم قال لهم : من كان له منكم عهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليأت بعهده حتى ننفذه ، ومن لم يكن له عهد فإني أجليه ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أقركم ما أقركم الله " ، وقد أذن الله بإجلائكم إلا أن يأتي رجل منكم بعهد أو بينة من النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أقره فأقره ، وقد فعلتم بمظهر بن رافع الحارثي ما فعلتم ،  وذلك أن مظهر بن رافع خرج بأعلاج له من الشام ، حتى إذا كان بخيبر دخل قوم من اليهود وأعطوا غلمانه السلاح وحرضوهم على قتله فقتلوه ، فأجلى عمر اليهود من الحجاز ، وقسم خيبر على ثمانية عشر سهما ، ثم بعث إلى فدك أبا حبيبة الحارثي ، ومضى إلى وادي القرى ، وأنفذ ظعن خيبر ووادي القرى على ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماها إلا أنه فرقها ، وصارت في أيدي أهلها تباع وتورث ، بدأ بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ففرض لكل امرأة منهن [ ص: 223 ] اثني عشر ألفا ، وفرض لأهل بدر صبيهم وحليفهم ومولاهم خمسة آلاف خمسة آلاف ، وفرض للأنصار صبيهم وحليفهم ومولاهم أربعة آلاف أربعة آلاف .

ثم مات أسيد بن حضير في شعبان ودفن بالبقيع .

ومات هرقل ملك الروم وأقعد مكانه قسطنطين ، ثم أغارت الحبشة على أهل بلجة فأصابوهم ، وقدم الصريخ على عمر ، فبعث علقمة بن مجزز المدلجي في عشرين مركبا إلى الحبشة فأغاروا عليهم ، ولم يحمل بعدها مسلما في البحر .

ثم عزل عمر أبا موسى عن البصرة وولاها عثمان بن أبي العاص ، وأمرهما أن يطاوعا ، فنزل عثمان توج ومصرها ، وبعث سوار بن همام العبدي إلى سابور فقتل بعقبة الطين .

ثم ماتت زينب بنت جحش زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عمر : من يغسلها ؟ فقالت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - : نحن نغسلها ، فغسلنها ، وصلى عليها عمر وكبر أربعا ، فلما أتي بسريرها أمر عمر بثوب فمد على قبرها ، وأمر أسامة بن زيد وابن أخيها محمد بن عبد الله بن [ ص: 224 ] جحش ومحمد بن طلحة بن عبيد الله فدخلوا قبرها ولحدوا لها ، وقام عمر على قبرها حتى سوي عليها ، ورش على قبرها الماء ثم انصرف . وحج عمر بالناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية