الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبعث علي الحسين بن علي وعمار بن ياسر إلى الكوفة لاستنفارهم ،  فلما قدموا الكوفة قام أبو موسى الأشعري في الناس وكان واليا عليها وأخبرهم بقدوم الحسن واستنفاره إياهم إلى أمير المؤمنين [ ص: 282 ] على إصلاح البين .

وقدم زيد بن صوحان من عند عائشة معه كتابان من عائشة إلى أبي موسى والي الكوفة وإذا في كل كتاب منهما : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عائشة أم المؤمنين إلى عبد الله بن قيس الأشعري ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإنه قد كان من قتل عثمان ما قد علمت ، وقد خرجت مصلحة بين الناس ، فمر من قبلك بالقرار في منازلهم ، والرضا بالعافية ، حتى يأتيهم ما يحبون من صلاح أمر المسلمين ، فإن قتلة عثمان فارقوا الجماعة وأحلوا بأنفسهم البوار ، فلما قرأ الكتابين وثب عمار بن ياسر فقال : أمرت عائشة بأمر ، وأمرنا بغيره ، أمرت أن تقر في بيتها ، وأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة ، فهو ذا تأمرنا بما أمرت ، وركبت ما أمرنا به ، ثم قال : هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخرجوا إليه ، ثم انظروا في الحق ومن الحق معه ، ثم قام الحسن بن علي فقال : يا أيها الناس أجيبوا دعوة أميركم ، وسيروا إلى إخوانكم ، لعل الله يصلح بينكم ، ثم قام هند بن عمرو البجلي فقال : إن أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا ابنه فاتبعوا قوله وانتهوا إلى أمره ، فقام حجر بن عدي الكندي فقال : أيها الناس أجيبوا أمير المؤمنين ، وانفروا خفافا وثقالا بأموالكم وأنفسكم ، ثم قال الحسن : [ ص: 283 ] أيها الناس إني غاد ، فمن شاء منكم فليخرج معي على الظهر ، ومن شاء فليخرج في الماء ، فأجابوه ، وخرج معه تسعة آلاف نفس بعضهم على البر وبعضهم على الماء ، وساروا حتى بلغوا ذا قار ، وخرج علي من المدينة معه ستمائة رجل ، وخلف على المدينة سهل بن حنيف ، فالتقى هو وابنه الحسن مع من خرج معه من الكوفة بذي قار ، فخرجوا جميعا إلى البصرة ، ولم يدخل علي الكوفة ، وكتب إلى المدينة إلى سهل بن حنيف أن يقدم عليه ويولي على المدينة أبا حسن المازني ، والتقى مع طلحة والزبير وعائشة بالجلحاء على فرسخين من البصرة ، وذلك لخمس خلون من جمادى الآخرة ، وكان علي كثيرا ما يقول : يا عجب كل العجب من جمادى ورجب ، فكان من أمرهم ما كان .

وقتل ابن جرموز الزبير  ثم أتى عليا يخبره ، فقال علي : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قاتل ابن صفية بالنار . فقال ابن جرموز : إن قتلنا معكم فنحن في النار ، وإن قاتلناكم فنحن في النار ، ثم بعج بطنه بسيفه فقتل نفسه .

وأما طلحة فرماه مروان بن الحكم بسهم من ورائه ، فأثبته فيه وقتله ، وحمله إلى البصرة فمات بها ، [ ص: 284 ] فقبر طلحة بالبصرة ، وقتل الزبير بوادي السباع ، وكان كعب بن سور قد علق المصحف في عنقه ثم يأتي هؤلاء فيذكرهم ، ويأتي هؤلاء فيذكرهم حتى قتل .

وكان علي ينادي مناديه : لا تقتل مدبرا ، ولا تذفف على جريح ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن طرح السلاح فهو آمن ، ولم يقتل بعد آن واحدا .

فلما اطمأن الناس بعث علي بعائشة مع نساء من أهل العراق إلى المدينة ، وأقام بالبصرة خمسة عشر يوما ثم خرج إلى الكوفة ، وولى على البصرة عبد الله بن عباس ، وولى الولاة في البلدان ، وكتب إلى المدن بالقرار والطاعة .

ثم إن أبا مسلم الخولاني قال لمعاوية : على ما تقاتل عليا وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وله من القدم والسابقة ما ليس لك ، وإنما أنت رجل من الطلقاء ، فقال له معاوية : أجل ، والله ما نقاتل عليا ، وأنا لست أدعي في الإسلام مثل الذي له ، ولكن أقاتله على دم أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، وأنا أطلبه بدمه ، فقال أبو مسلم : إني [ ص: 285 ] أستخبر لك عن ذلك ، فركب راحلته وانتهى إلى الكوفة ، ثم نزل عن راحلته وأتى عليا ماشيا والناس عنده ولا يعرفه أحد ، فقال : من قتل عثمان ؟ فقال علي : الله قتل عثمان وأنا معه ، فخرج أبو مسلم ولم يتكلم ، ومضى حتى انتهى إلى راحلته فركبها ، ولحق بالشام فانتهى إلى معاوية وهو يثقل ، فقيل له : هذا أبو مسلم قد جاء ، فعانقه معاوية وسأله عن سفره وخاف أن يكون قد جاء بشيء مما يكره ، فقال أبو مسلم : والله لتقاتلن عليا أو لنقاتلنه ، فإنه قد أقر بقتل أمير المؤمنين عثمان ، فقام معاوية فرحا وصعد المنبر واجتمع إليه الناس وحمد الله وأثنى عليه ، وقام أبو مسلم خطيبا وحرض الناس على قتال علي ، فصح خروج أهل الشام قاطبة على علي وطلبهم إياه بدم عثمان .

ثم إن حجر بن الأدبر قدم على علي فقال : يا أمير المؤمنين ، الجماعة والعدد والمال مع الأشعث بن قيس بأذربيجان فابعث إليه فليقدم ، فكتب إليه علي : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأشعث بن قيس ، أما بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم واحمل ما غللت من المال . فكتب إليه الأشعث بن قيس : أما بعد ، فقد جاءني كتابك بأن أقدم عليك ، وأحمل ما غللت من مال الله ، [ ص: 286 ] فما أنت وذاك ، والسلام ، ثم قال الأشعث : والله لأدعنه بحال مضيعة ، ولأفسدن عليه الكوفة ، ثم ارتحل من أذربيجان وهو يريد معاوية ، وبلغ ذلك عليا وشق عليه خروجه إلى معاوية ، فقال حجر بن الأدبر : يا أمير المؤمنين ، ابعثني إلى الأشعث بن قيس فأنا أعرف به وأرفق ، وإن هو خوشن لم يجب أحدا ، قال له علي : سر إليه ، فسار حجر إليه فأدركه بشهرزور ، فقال له حجر : يا أبا محمد أنشدك الله أن تأتي معاوية وتدع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال الأشعث : أو ما سمعت كتابه إلي ؟ فقال حجر : إنك إن أتيت معاوية أقبلنا جميعا إلى الشام ، وأنشدك الله إلا نظرت إلى أيتام قومك وأياماهم ، فإني لا آمن أن يفتضحوا غدا ، قال : فما تريد يا حجر ؟ قال : تنحدر معي إلى الكوفة ، فإنك شيخ العرب وسيدها والمطاع في قومك ، وسيصير إليك الأمر ، فلم يزل به حجر حتى قال : ليصرفوا صدور الركائب إلى الكوفة ، فتقدم على علي فسر علي بمجيئه فقال : مرحبا وأهلا بأبي محمد على عجلته ، فقال : أمير المؤمنين إن هذا ليس بيوم عتاب ، ثم أقام مع علي بالكوفة ، وحج بالناس عبد الله بن عباس بأمر علي ولاه .

التالي السابق


الخدمات العلمية