الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فلما دخلت السنة الأربعون

وبلغ الخبر عليا بما فعل بسر بن أرطاة باليمن ، وما كان من أمر بني عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب ، خطبهم وقال : لقد خفت أن يظهر مولى القوم عليكم ، وما يظهرون عليكم بأن يكونوا بالحق أولى منكم ، ولكن بصلحهم في بلادهم ، وفسادكم في بلادكم ، واجتماعهم على باطلهم ، وتفرقكم عن حقكم ، وأدائهم الأمانة وخيانتكم ، والله والله لو استعملت فلانا لخان وغدر - ثلاثا ، ولو بعثه معاوية لم يخنه ولا غدره ، اللهم قد مللتهم وملوني ، وسئمتهم وسئموني ، وكرهتهم وكرهوني ، فأرحني منهم وأرحهم مني ، وأبدلني بمن هو خير لي منهم ، وأبدلهم بمن هو شر لهم مني .

[ ص: 302 ] ثم كان قتل علي بن أبي طالب   .

وكان السبب في ذلك أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي أبصر امرأة من بني تيم الرباب يقال لها : قطام ، وكانت من أجمل أهل زمانها ، وكانت ترى رأي الخوارج ، فولع بها ، فقالت : لا أتزوج بك إلا على ثلاثة آلاف ، وقتل علي بن أبي طالب ، فقال لها : لك ذلك ، فتزوجها وبنى بها ، فقالت له : يا هذا قد عرفت الشرط ، فخرج عبد الرحمن بن ملجم ومعه سيف مسلول حتى أتى مسجد الكوفة ، وخرج علي من داره وأتى المسجد وهو يقول : أيها الناس الصلاة الصلاة ، أيها الناس الصلاة الصلاة ، وكانت تلك ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان ، فصادفه عبد الرحمن بن ملجم من خلفه ثم ضربه بالسيف ضربة من قرنه إلى جبهته ، وأصاب السيف الحائط فثلم فيه ، ثم ألقى السيف من يده ، وأقبل الناس عليه ، فجعل ابن ملجم يقول للناس : إياكم والسيف فإنه مسموم ، وقد سمه شهرا ، فأخذوه ، ورجع علي بن أبي طالب إلى داره ، ثم أدخل عليه عبد الرحمن بن ملجم ، فقالت له أم كلثوم بنت علي : يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين ، فقال : لم أقتل إلا أباك ، فقالت : إني لأرجو أن لا يكون على أمير المؤمنين من بأس ، فقال عبد الرحمن بن ملجم : فلم تبكين إذا ؟ فوالله سممته شهرا ، فإن أخلفني أبعده الله وأسحقه ، فقال علي : [ ص: 303 ] احبسوه وأطيبوا طعامه وألينوا فراشه ، فإن أعش فعفو أو قصاص ، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين .

فمات علي بن أبي طالب غداة يوم الجمعة ، فأخذ عبد الله بن جعفر والحسن بن علي ومحمد ابن الحنفية ، عبد الرحمن بن ملجم ، فقطعوا يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم ، ثم كحلوا عينيه بملمول محمى ، ثم قطعوا لسانه ، وأحرقوه بالنار ، وكان لعلي يوم مات اثنتان وستون سنة ، وكانت خلافته خمس سنين وثلاثة أشهر .

واختلفوا في موضع قبره ولم يصح عندي شيء من ذلك فأذكره ، وقد قيل : إنه دفن بالكوفة في قصر الإمارة عند مسجد الجماعة ، وهو ابن ثلاث وستين .

ثم قام الحسن بعد دفن أبيه خطيبا في الناس ، فحمد الله وأثنى عليه [ ص: 304 ] ثم قال : والله لقد مات فيكم رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه بالبعث ويعطيه الراية فما يرجع حتى يفتح الله عليه ، يقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، ولا ترك بيضاء ولا صفراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادما .

وكان لعلي بن أبي طالب خمسة وعشرون ولدا ، من الولد : الحسن ، والحسين ، ومحسن ، وأم كلثوم الكبرى ، وزينب الكبرى ، وهؤلاء الخمسة من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان له من غيرها : محمد بن علي ، وعبيد الله ، وعمر ، وأبو بكر ، ويحيى ، وجعفر ، والعباس ، وعبد الله ، ورقية ، ورملة ، وأم الحسن ، وأم كلثوم الصغرى ، وزينب الصغرى ، وجمانة ، وميمونة ، وخديجة ، وفاطمة ، وأم الكرام ، وأم سلمة ، رضي الله عنهم أجمعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية