فلما بلغ الحسين بن علي  الخبر بمصاب الناس بمسلم بن عقيل  خرج بنفسه يريد الكوفة  ، وأخرج عبيد الله بن زياد   عمر بن سعد  إليه ، فقاتله بكربلاء  قتالا شديدا حتى قتل عطشانا ، وذلك يوم عاشوراء يوم الأربعاء سنة إحدى وستين ، وقد قيل : إن ذلك اليوم كان يوم السبت ، والذي قتل الحسين بن علي   هو سنان بن أنس النخعي ،  وقتل معه من أهل بيته في ذلك اليوم : العباس بن علي بن أبي طالب ،  وجعفر بن علي بن أبي طالب ،  وعبد الله بن علي بن أبي طالب الأكبر ،  وعبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ،  والقاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ،  وعون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب  ، ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ،  وعبد الله بن عقيل بن أبي طالب ،  ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب ،  واستصغر  علي بن الحسين بن علي  فلم يقتل ،  [ ص: 310 ] انفلت في ذلك اليوم من القتل لصغره ، وهو والد محمد بن علي الباقر ،  واستصغر في ذلك اليوم أيضا عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب  فلم يقتل لصغره ، وجرح في ذلك اليوم الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب  جراحة شديدة حتى حسبوه قتيلا ثم عاش بعد ذلك ، وقتل في ذلك اليوم سليمان مولى الحسن بن علي بن أبي طالب ،  ومنجح مولى الحسين بن علي بن أبي طالب ،  وقتل في ذلك اليوم الخلق من أولاد المهاجرين والأنصار ، وقبض على عبد الله بن بقطر  رضيع الحسين بن علي بن أبي طالب  في ذلك اليوم ، وقيل : حمل إلى الكوفة  ثم رمي به من فوق القصر ، أو قيد فانكسرت رجله ، فقام إليه رجل من أهل الكوفة  وضرب عنقه . 
وكانت أم الحسين بن علي بن أبي طالب فاطمة الزهراء بنت رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وأم العباس بن علي بن أبي طالب أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة ،  والعباس  يقال له : السقاء ; لأن الحسين  طلب الماء في عطشه وهو يقاتل ، فخرج العباس  وأخوه ، واحتال حمل إداوة ماء ودفعها إلى الحسين  ، فلما أراد الحسين  أن يشرب من تلك الإداوة جاء سهم فدخل حلقه ، فحال بينه وبين ما أراد من الشرب ، فاحترشته السيوف حتى قتل ، فسمي العباس بن علي " السقاء "  لهذا السبب ، وكانت  [ ص: 311 ] والدة جعفر بن علي بن أبي طالب ،  وعبد الله بن علي بن أبي طالب الأكبر  ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود بن معتب  ، وكانت أم عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب الرباب بنت القاسم بن أوس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب ، وكانت أم القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب  أم ولد ، وكانت أم عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب جمانة بنت المسيب بن نجبة بن ربيعة ،  وكانت أم محمد بن عبد الله بن جعفر بن عقيل بن أبي طالب  أم ولد ، وكانت أم عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب رقية بنت علي بن أبي طالب ،  وكانت أم الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب خولة بنت منظور بن زيان الفزاري ،  وكانت أم عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب  أم ولد ، وقد قيل : إن أبا بكر بن علي بن أبي طالب  قتل في ذلك اليوم ، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي ،  والذي تولى في ذلك اليوم حز رأس الحسين بن علي بن أبي طالب  شمر بن ذي الجوشن    . 
 [ ص: 312 ] ثم أنفذ عبيد الله بن زياد  رأس الحسين بن علي  إلى الشام  مع أسارى النساء والصبيان من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقتاب مكشفات الوجوه والشعور ، فكانوا إذا نزلوا منزلا أخرجوا الرأس من الصندوق وجعلوه في رمح وحرسوه إلى وقت الرحيل ، ثم أعيد الرأس إلى الصندوق ورحلوا ، فبينا هم كذلك إذ نزلوا بعض المنازل وإذا فيه دير راهب ، فأخرجوا الرأس على عادتهم وجعلوه في الرمح وأسندوا الرمح إلى الدير ، فرأى الديراني بالليل نورا ساطعا من ديره إلى السماء ، فأشرف على القوم وقال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نحن أهل الشام ،  قال : وهذا رأس من هو ؟ قالوا : رأس الحسين بن علي  ، قال : بئس القوم أنتم ، والله لو كان لعيسى  ولد لأدخلناه أحداقنا ، ثم قال : يا قوم ، عندي عشرة آلاف دينار ورثتها من أبي وأبي من أبيه ، فهل لكم أن تعطوني هذا الرأس ليكون عندي الليلة وأعطيكم هذه العشرة آلاف دينار ؟ قالوا : بلى ، فأحدر إليهم الدنانير ، فجاؤوا بالنقاد ، ووزنت الدنانير ونقدت ، ثم جعلت في جراب وختم عليه ، ثم أدخل الصندوق ، وشالوا إليه الرأس ، فغسله الديراني  ووضعه على فخذه وجعل يبكي الليل كله عليه ، فلما أن أسفر عليه الصبح قال : يا رأس ! لا أملك إلا نفسي ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك رسول الله ،  [ ص: 313 ] فأسلم النصراني وصار مولى للحسين  ، ثم أحدر الرأس إليهم فأعادوه إلى الصندوق ورحلوا ، فلما قربوا من دمشق  قالوا : نحب أن نقسم تلك الدنانير ، لأن يزيد إن رآها أخذها منا ، ففتحوا الصندوق وأخرجوا الجراب بختمه وفتحوه ، فإذا الدنانير كلها قد تحولت خزفا ، وإذا على جانب من الجانبين من السكة مكتوب : ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون   . وعلى الجانب الآخر : سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . قالوا : قد افتضحنا والله ، ثم رموها في بردي نهر لهم ، فمنهم من تاب من ذلك الفعل لما رأى ، ومنهم من بقي على إصراره ، وكان رئيس من بقي على ذلك الإصرار سنان بن أنس النخعي   . 
ثم أركب الأسارى من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء والصبيان أقتابا يابسة مكشفات الشعور ، وأدخلوا دمشق  كذلك ، فلما وضع الرأس بين يدي يزيد بن معاوية  جعل ينقر ثنيته بقضيب كان في يده ويقول : ما أحسن ثناياه ، قد ذكرت كيفية هذه القصة وباليتها في أيام بني أمية  وبني العباس  في كتاب الخلفاء ، فأغنى عن إعادة مثلها في هذا الكتاب ; لاقتصارنا على ذكر الخلفاء الراشدين منهم في أول هذا الكتاب . 
				
						
						
